ملتقى العلماء
لنصرة خاتم الأنبياء
البعد الاستراتيجي الصحي الوقائي العلاجي والنفسي في الحديث النبوي الصحيح
أ.د آمال عميرات
أستاذة التعليم العالي بجامعة الجزائر
المشاركة بكتيب في ملتقى العلماء لنصرة خاتم الأنبياء
المحور الرابع: الاعجاز العلمي في السنة النبوية
البعد الاستراتيجي الصحي الوقائي العلاجي والنفسي في الحديث النبوي الصحيح
مقدمة
نستهل هذه الدراسة بقوله صلى الله عليه وسلم " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" وعلى حد قول الشيخ الغزالي رحمه الله: لو كان للاسلام رجال يحسنون عرضه كما نزل في أصوله الأولى لكان الاسلام دين الحاضر والمستقبل على السواء ..ولكن الفكر الاسلامي وقع في محنة رهيبة
لذلك ستحاول هذه الدراسة ومن خلال عينة قصدية من الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في صحيح البخاري وعبر قراءة ودراسة استنباطية أن تبين أن معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم قد أسس لهذا الجانب من العلم المتعلق بالصحة الوقائية، العلاجية والنفسية بل وحتى الاقتصادية والاجتماعية... ، فلقد كان له السبق العلمي التأسيسي له، قطع به لكل ذي بصيرة صدق نبوته ورسالته وصدق الوحي الذي تلقاه من ربه وصلاحية الرسالة إلى أن يرث الله الأرض من عليها، بل إن الرسالة تحتاج لمن يمحصها ليكتشف الكثير من العلوم في جميع المجالات وليس فقط الجانب الصحي الوقائي والعلاجي والنفسي، فالحديث النبوي الشريف مصدر للمعرفة يمكن الاعتماد عليه لاستنباط المعارف والقيم المختلفة منها الصحية الوقائية، وباعتبار صحيح البخاري من أصح كتب الحديث وأهمها اعتمدت الدراسة عليه لاستخراج العينة القصدية المتمثلة في الأحاديث النبوية التي تضمنت رسائل ودلالات صحية وقائية نفسية، وحتى اجتماعية واقتصادية ذات علاقة بالبعد الاستراتيجي الصحي، حيث عنيت هذه الأحاديث بتبليغ منهج الله ورسوله للناس أجمعين لما فيه خيرهم وخير غيرهم ممن يحيطون بهم، فالعودة إلى منهج الله ورسوله لمعالجة كافة المشكلات والآفات والقضايا والأزمات التي تواجه الانسان عامة والمسلم خاصة أصبحت من الأهمية بمكان لاسيما في المجال الصحي الوقائي وما تشهده البشرية من انتكاسات وآفات صحية بفعل الوباء المستجد الذي لم يشهده العالم من قبل، ولأن الاسلام بكل مايحمله من مقومات حضارية و الحديث النبوي بالأخص بكل ما يتضمنه من معرفة وعلم وخير للبشرية فإنه أدعى لنا كمسلمين أن نعود للمعين الذي لا ينضب لمحاولة فهم دلالات ومعاني الرسالة الخالدة المتضمنة في سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم الحاملة لإعجاز علمي في كافة المجالات، تحتاج فقط لمن يفك شفرتها ويؤمن بها وأحسن دليل على سبيل المثال لا الحصر الاستراتيجيات الصحية الوقائية التي دعى اليها معلم البشرية منذ أكثر من 14000سنة وقبل استفحال الوباء الذي نعاني منه اليوم، فحديث الطاعون و الدعوة إلى الحجر الصحي واحد من أهم الاستراتيجيات التي دعى إليها معلمنا وقائدنا ولا تزال تعتمد اليوم كاستراتيجية وقائية وكذلك الحرص على الطهارة ليس فقط لصحة العبادة بل للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية، إلى جانب تحريم الخبائث والتشجيع على الصوم ليس لمجرد أداء فريضة دينية بل أيضا لتفادي الأمراض وحرصا على الصحة ووقاية للبدن والنفس من الأذى وتقوية للجهاز المناعي وهو ما تدعو إليه كافة التخصصات اليوم وغيرها من الأمثلة الدالة على الإعجاز العلمي للحديث النبوي لاسيما في المجال الصحي الوقائي، وعلى حد قول مالك بن نبي: أجيال الحضارة تتناقل دائما رسالة سرية ذات رموز ويحق لكل جيل أن يقرأ هذه الرسالة قراءة تختلف عن الجيل السابق لأن لكل جيل مصطلحا خاصا به يفك به رموز تلك الرسالة...
لا يظن أحد أننا كمسلمين نستاء من انتقال الحضارة إلى الغرب ..إطلاقا لا
الإسلام رسالته للدنيا كلها
حضارتنا تقوم على إرقاء الآخر بل والاستفادة منه تعليما وعلما والاستخلاف الرباني أتى للنهضة بالإنسانية جمعاء دون تفريق في دين أو عرق ...
النهضة قادمة إما نكون من المشاركين أو المشاهدين
نصوص أحاديث: الغسل والسواك
عن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"
عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لله تعالى على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما"
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس، لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء"، وقالت عائشة عن البني صلى الله عليه وسلم: " مطهرة للفم مرضاة للرب"
جاءت الأحاديث توجيهية تربوية، توجه المسلمين إلى ضرورة العناية بنظافتهم دوريا وباستمرار بما في ذلك نظافة الفم الذي لا يقل أهمية عن نظافة البدن لماله من تأثير على صحة الجسم ككل
تدعوا الأحاديث المسلمين إلى ضرورة الاغتسال وتحري النظافة بشكل دوري ومستمر لأن الغسل واجب لكل مسلم بل حق اله على المسلم أن يتطهر ويحرص على نظافة بدنه لأن في ذلك عبادة بل إن تنمية هذا السلوك عبادة، فكما يحرص الإسلام على النظافة المعنوية بالعقيدة الباطنية يحرص كذلك على النظافة الحسية الظاهرية فيأمره أن يكون طاهرا معنويا بالعقيدة الصحيحة ونبذ الشرك والإخلاص لله وحده في العبادة كما يأمره بنظافة جسده ولباسه ومأكله ومشربه ومسكنه كتنمية للنظافة التي هي طريقة أخرى في العبادة والمحافظة على سلامة الجسم بذلك من الأمراض المتعددة وكسب المودة والكحبة لمن حوله ثم الوصول إلى رضا الخالق وهي كلها نتائج تحققها النظافة كقيمة مهمة في حياة المسلم
إلى جانب تركيز الأحاديث على أهمية نظافة الفم هو مدخل الطعام إلى الجهاز الهضمي في جسم الإنسان، فحينما يمضغ الطعام تبقى منه بقايا عالقة بين الأسنان واللثة إن لم تنظف تتعلق وتملأ الفم بالفطريات والجراثيم، تكون سببا في العديد من الأمراض بالإضافة إلى ما تنتجه من روائح كريهة ومنفرة، لذلك وجه الرسول إلى ضرورة استخدام السواك لتطهير الفم والأسنان من فضلات الطعام وتزكية رائحتهما وحمايتهما وحماية بقية الجسد الذي يحميها من الإصابة بالعديد من الأمراض، فإبراز هذه الجوانب العلمية من أحاديث المصطفى هو من أنجع الأساليب الدعوية في زمن العلن والتقنية، حيث فتن الناس بالعلوم ومعطياتها ولم تعد قضايا الدين تحرك قلوبهم أو عقولهم فأصبحوا بأمس الحاجة إلى أدلة مادية ملموسة تدعوهم إلى الإيمان ببعثة هذا النبي الخاتم الذي ختمت ببعثته وتكاملت في رسالته كل الرسالات
خصوصية الأحاديث:
ترتكز هذه الأحاديث على النظافة والطهارة الخاصة بالجسم وحتى الفم فهي ليست سلوكات يجب التقيد بها أو عادات صحية يجب مراعاتها فحسب بل هي شروط لصحة العبادة والاتصال بالله وهي حق للعباد على الله حتى يكتمل إيمانهم وإسلامهم
الأحاديث تمثل البعد الصحي بالضبط الوقائي وذلك بالدعوة إلى استجابة علنية لهذه الأحاديث عبر أفعال وسلوكات صحية وقائية خاصة بالنظافة، مما يؤدي بالجمهور المستهدف إلى تبني سلوكات صحية حضارية تجعل من المجتمع نظيفا، طاهرا، متمتعا بصحة جيدة أساسها نظافة الجسم والفم، خاصة إذا علمنا أن التهاون في نظافة الفم قد يؤدي إلى أمراض أخرى أكثر خطورة مثل أمراض القلب، لذلك تدعوا هذه الأحاديث إلى الإدراك الواعي للجمهور المستهدف لضرورة النظافة للحفاظ على الصحة ولصحة العبادات والاتصال بالله أيضا لأن إسلام وإيمان المرء يكتمل بالنظافة
تستهدف الأحاديث تحقيق استجابة علنية متمثلة في التحلي بالنظافة والطهارة بشكل دوري ومنتظم ومستمر، خاصة أيام الجمعة، وباعتبار أن هذا اليوم يوم عيد المسلمين وتقرب من الله، ولأن النظافة في الإسلام هر شرط أساسي للحفاظ على نعمة الصحة والعافية وشرط أساسي أيضا للاتصال بالخالق، بل واجب على كل مسلم أن يتطهر باستمرار لأنه حق الله عليه مما يزيد من قدسية وإلزامية هذا السلوك الصحي الحضاري الذي تدعوا إليه عينة هذه الأحاديث الصحية الوقائية
تتوجه الأحاديث إلى كل إنسان بالغ، راشد، من المسلمين عامة، فالالتزام بالسلوكات الصحية اللائقة الوقائية التي تلزمه بالطهارة، فتجعل منه يعيش في مجتمع سليم ومعافى من مختلف الأمراض، بل تجعله قريبا من ربه مؤديا لحقه وقائما بواجبه نحو نفسه ونحو أداءه لحق خالقه وهو أروع اتصال ودعوة يمكن أن تدمج بين ماهو سلوكي دينوي وتعبدي، إذ لا تناقض بين الاثنين فالسلوك الصحي الوقائي والحضاري اللائق هو سلوك يرضي الله ويقرب المسلم من خالقه أيضا، ففيه مصلحة الفرد والمجتمع في الدنيا ومصلحتهما أيضا حتى في الحياة الآخرة وهو ما يجعل رسالة محمد المعلم متميزة وعظيمة وخالدة
القيم البارزة:
القيمة الصحية البارزة هنا هي قيمة النظافة، حيث أنها جزء لا يتجزأ من الإيمان، الأمر الذي جعلها ذات أهمية بالغة في سلوك الإنسان، فهي ليست مجرد أمر مرغوب فيه أو متعارف عليه، وإنما قضية إيمانية تتصل بالعقيدة وهو دعم قوي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك من خلال أحاديثه أمرا مهما ليظهر أثره في السلوك اليومي في الحياة، ليس فقط مراعاة للمصلحة الفردية بل أيضا مراعاة لمصلحة الغير بعدم إيذائهم بنتائج عدم الحرص على هذه القيمة الصحية الكبيرة في الحياة، فالتربية الصحية على النظافة والتعود عليها منذ الصغر يجعل من هذه القيمة تتجلى في السلوك الحياتي لأفراد المجتمع بل تصبح عادة طبيعية ثابتة تجعل السلوك الصحي هذا يصدر عن المرء دون تكلف.
إن قيمة نظافة الفم لا تقل أهمية عن قيمة نظافة البدن بصفة عامة، فلقد اكتشف أهل العلم أن للسواك مفعولان: الأول ميكانيكي يفوق فرشاة الأسنان لأنه يسير على سطح كل سن ويدخل بين الأسنان والثاني كيمياوي، لأنه بعد عشرين دقيقة فقط، من استعمال المعجون يعود مستوى الجراثيم للفم لحالته الأولى، أما السواك، فلا تعود هذه النتيجة عادة وفق التجارب العلمية التي أقيمت حتى بألمانيا والتي أثبتت أنه يطيب الفم ويشد اللثة ويجلوا البصر ويصح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام
الأسلوب المعتمد :
جاءت الأحاديث بأسلوب ترغيبي تحث على ضرورة الحفاظ على النظافة للحفاظ على الصحة من جهة وأداء شرط من شروط صحة العبادة والاتصال بالله من جهة اخرى، فالترغيب في الحفاظ على نعمة الصحة الجسدية يتجلى من خلال ارتباط هذه الأخيرة بتحري صحة عبادة الله في نفس الوقت وهو ما يحفز الجمهور المستهدف على الاستجابة والاستمرار في هذا السلوك الحضاري التعبدي
قيمة الأحاديث الصحية الوقائية:
تنصب هذه الأحاديث في إطار البعد الصحي في شطره الوقائي حيث تحري النظافة كأساس لصحة الأبدان وسلامتها بل لصحة النفس كذلك فلا صحة نفسية دون صحة بدنية ولا نظافة روحية دون نظافة بدنية
حيث حتى الفم والأسنان لم تغفلهما أحاديث معلم البشرية كأساس لصحة الإنسان، لذلك أمر بالسواك في أكثر من حديث ودعى لجعله عادة وسلوكا مستمرا ودائما، فمن هديه الحث على استخدام السواك مع كل صلاة على أقل تقدير وقد أثبتت الدراسات المختبرية ان عود الأراك أو السواك يحتوي علي العديد من المركبات الكيميائية التي تحفظ الأسنان من التسوس والتلوث وتحفظ اللثة من الإلتهابات مثل حمض التانيك ومركبات كيميائية أخرى من زيت الخردل وسكر العنب التي لها قدرة فائقة في القضاء على جراثيم الفم بالإضافة إلى العديد من المواد العطرية والسكرية والصمغية والمعدنية والشعيرات الطبيعية من الألياف النباتية الحاوية على كاربونات الصوديوم وهي المادة التي تستخدم في تحضير معاجين الأسنان، لذلك يعد توجيه الرسول باستخدام السواك عدة مرات في اليوم هو سبق علمي وسلوكي بكل أبعاده وحرص على طهارة الفم والأسنان
كما أثبت العلم الحديث أن الإنسان المنتظم في الوضوء والغسل والطهارة وبعد الفحص الميكروسكوبي، أثبتت النتائج بعد الفحص، نظافة الأنف من الميكروبات الكروية السبحية السريعة الانتشار والعضوية المسببة للأمراض، كما ثبت أن التسمم الذاتي يحدث من جراء نمو الميكروبات الضارة في تجويف الأنف ومنهما إلى المعدة والأمعاء وإحداث التهابات متعددة، وحتى المضمضة تقي الفم والبلعوم من الالتهابات وتقي اللثة والأسنان من النخر بل تقي الجسم كله، فالمادة الصديدية والعفونة مع اللعاب والطعام تمتصها المعدة وتسري إلى الدم ومنه لجميع الأعضاء وتسبب أمراض متنوعة إذا لم يتحرى الإنسان وقايتها بالنظافة المستمرة
كما أثبت العلم أن الميكروبات لا تهاجم جلد الإنسان إلا إذا أهمل نظافته ومكث فترة دون غسل لأعضائه وجسمه، فإفرازات الجلد من دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد محدثة حكة شديدة غير نظيفة تدخل الميكروبات للجلد، فالإفرازات المتراكمة دعوة للبكتيريا كي تتكاثر وتنمو وبذلك سبقت أحاديث الرسول حول النظافة والغسل البكتريولوجيا الحديثة التي اكتشفت البكتيريا والجراثيم التي تهاجم الجلد الذي لا يعتني صاحبه بنظافته بالغسل والطهارة والوضوء، بل إن الماء قد ثبت علميا أن له قوة حيث أنه أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر
لقد أسس الرسول المعلم برسالته لجميع العلوم وبالأخص العلم المتضمن للاتصال الصحي الوقائي الذي عني به كثيرا، فكانت النظافة أساسه كمعلم من معالم السلوك الحضاري، فالعناية بالنظافة والطهارة لم تعرف في دين من الأديان ولا في فلسفة من الفلسفات، فقد أدخل الإسلام النظافة في نظامه الشعائري والتعبدي وغدت جزءا من الحياة اليومية للمسلم
فالصلوات الخمس هي موعد مستمر مع الله منذ الفجر إلى العشاء بمثابة حمام روحي يتطهر بها المسلم من خطاياه بشرط أن يطهر بدنه من الأوساخ أيضا لذلك فالمسلم على موعد مستمر بالطهارة الحسية والروحية وهي خصوصية هذا الدين العظيم الذي يجمع بين الروح والبدن، فيعلمنا الرسول أن الإسلام يهتم بحسن المظهر كما يهتم في المقام الأول بحسن الجوهر، فكانت العناية النبوية بالنظافة سابقة من عدة اعتبارات: النظافة من الخصال التي يحبها الله وهي من خصال الإيمان والنظافة أيضا سبيل أيضا إلى الصحة والقوة والإسلام يحرص على صحة الأبدان وقوة الأجسام كعدة وذخيرة للجماعة والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤن الضعيف، والبدن أمانة لدى الإسلام لا يجوز أن يفرط فيه فيكون فريسة للأمراض، كما أن النظافة شرط للتجمل والظهور بمظهر الجمال الذي يحبه الله ورسوله، كما أن النظافة والمظهر الحسن من أسباب تقوية الروابط بين الناس فالإنسان السوي بفطرته ينفر من القذارة ويتجنب أهلها وهذا هو سر الاغتسال قبل الجمعة
فعناية الإسلام بالنظافة ميزة كبرى من مزاياه لا توجد في أي ديانة أو فلسفة أخرى فالإسلام دين وحضارة يجمع بين نظافة الجسد والروح ويحرص على مصلحة الفرد وصحته ومصلحة وصحة المجتمع ككل بالدعوة إلي تحري النظافة كأساس وقائي صحي
أحاديث الطاعون:
عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"
عن عبد الرحمان بن عوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه"
الحديثين توجيهيين وقائيين يدعوان إلى ضرورة الحجر الصحي لتفادي انتقال العدوى الخاصة بوباء الطاعون
يوجه انتباه الجمهور المستهدف إلى ضرورة الوقاية من الأمراض المعدية بعدم دخول الأرض التي فيها مرض معدي وفتاك كالطاعون، وإذا كان الشخص داخل أرض تفشى فيها هذا الوباء فلا يخرج منها كي لا يعدي الآخرين أو يكون سببا في انتشار الوباء، والطاعون دال على الموت العام كالوباء، فالطاعون هو الوباء أي المرض العام الذي يفسد الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وسمي كذلك لعموم مصابه وسرعة قتله لذلك منع الرسول ونهى الدخول إلى بلدة علم أن فيها طاعونا وذلك ليس من الطيرة وإنما هي منع إلقاء النفس إلى التهلكة فالإقدام على مكان الوباء تعريض النفس للبلاء وعليه فان الحديثين وقاية من انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة وجعلها تقتصر على المكان الذي ظهرت فيه دون التسبب في عدوى الآخرين من الأصحاء
خصوصية الحديثين:
الحديثين يركزان على ضرورة الحجر الصحي في حالة انتشار مرض وبائي معدي مثل الطاعون
وذلك وقاية للأصحاء من العدوى، فلا يدخل الصحيح على المريض ولا يخرج المريض (أو الذي يشك أنه ناقل للعدوى) للأصحاء، كي يبقى الوباء في نطاق ضيق ولا ينتشر فيعم المجتمع
الحديثان يدخلان ضمن المواضيع ذات البعد الصحي الوقائي، فهما يندرجان ضمن المواضيع الصحية الوقائية التي تحث على ضرورة الوقاية من انتقال الأمراض المعدية والحد من انتشارها على نطاق واسع والتحكم بها في نطاق أضيق، وقاية للأصحاء من خطر العدوى
الهدف من الحديثين تحقيق استجابة صحية وقائية وذلك بالتوعية بضرورة الحجر الصحي على المصابين بالوباء والأمراض المعدية حتى يمنع اتشارها وانتقالها للأصحاء
يتوجه الحديثان لمتلقي من العامة والخاصة، حيث يستهدفان استجابة علنية لكليهما، إذ يجب أن يلتزم كليهما بالسلوك الصحي الوقائي اللائق في حالة انتشار الأوبئة، فإذا كان المتلقون من الذين يتواجدون في مكان ظهور الوباء فعليهم البقاء وعدم الانتقال من أماكنهم والمكوث في محلهم حتى لا يتسببوا في انتشار الوباء وعدوى الأصحاء
أما المتلقون من العامة فهم أولئك الذين سمعوا عن وباء وملزمون بعدم الانتقال إلى مكان ظهوره وعدم الاقتراب منه للوقاية من الإصابة أو العدوى حفاظا على صحتهم ووقاية لهم فكلا المتلقيان مدعوان لسلوك السلوك الصحي الوقائي المناسب في حالة ظهور الوباء المعدي
القيم البارزة:
قيمة الوقاية هي أكثر القيم بروزا في هذه العينة من الأحاديث وبالضبط الوقاية الصحية، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتراز والوقاية والعزل الصحي من الأوبئة العامة (كالطاعون) وهو إقرار منه بسنة العدوى وضرورة الوقاية منها باتخاذ الأسباب وذلك رعاية للصحة والمصلحة العامة
الأسلوب المعتمد:
جاء الحديثان بأسلوب الأمر، حيث أمر الرسول بعدم الدخول لأرض بها الوباء المعدي، كما أمر بعدم الخروج للذين يتواجدون بالأرض التي حل بها الوباء وذلك يدل على أن الأمر خطير يستدعي الإستجابة العلنية بالخضوع للأمر، وهو ما تم فعلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ذهب إلى الشام فسمع بأن هناك طاعونا منتشرا، فشاور أصحابه في الرجوع واستقر الرأي على العودة بمن معه مستندين لاحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع بل مطبقين لأوامره صلى الله عليه وسلم الوقائية
قيمة الأحاديث الصحية الوقائية:
ينصب الحديثان في إطار البعد الصحي الوقائي، حيث الحجر الصحي من أهم وسائل الوقاية عند انتشار الأوبئة – كالطاعون وهو وباء عام- ونحوه، فقد أقر الحديثان بضرورة الاحتراز والوقاية والعزل من الأوبئة العامة عن طريق التوعية بضرورة حصر الوباء في أضيق نطاق، فكان رسول الله بقوله ودعوته وأمره أسوة حسنة في الهداية إلى ضرورة الوقاية الصحية من الأوبئة الفتاكة، بل لقد أسس لهذا الاتصال الصحي الخاص بالعزل أو الحجر الصحي الهادف إلى وقاية الأصحاء من العدوى ومرة أخرى يتبين أن أسس استراتيجية الاتصال الصحي الوقائي قد أرساها معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام
وفي مناقشة للعلامة الزنداني مع دكتور دنماركي، سأل هذا الأخير عن سلوكه إذا كان حاكما لمدينة أصيبت بوباء الطاعون، فرد أنه سيغلق الأبواب والنوافذ ويجعل الشرطة على حدود المدينة ويمنع الداخل والخارج منها، فرد أن جراثيم المرض التي تصيب الإنسان في وباء الطاعون في البلاد التي يكون فيها الطاعون تصل نسبة المصابين بالجرثوم أحيانا إلى 95% أو 80% على أقل تقدير وكلهم مصاب بهذه الجراثيم، وطائفة منهم هم المرضى ممن تضعف قوة المقاومة عندهم فينقلب المرض على صحتهم فيهلكهم والطائفة الأخرى تصارع المرض عن طريق جهاز المناعة في جسمهم فيظهر في شكل حمى خفيفة، معنى ذلك أن جهاز المناعة في الجسم قد تغلب على الجرثوم، وطائفة أخرى لا يظهر عليها أي أثر، معنى هذا أن جهاز المناعة قد أنتج مواد قاتلة للجراثيم فلا خوف عليهم، فالصحيح الذي أصبح صحيحا وأصيب بهذا المرض جسمه صنع مضادات تقضي على الجرثومة، فيبقى سليما لكن لو سمحنا لواحد منهم ليس بمريض بالخروج فهو حامل للجرثوم لكن جسمه تغلب عليه فيتنقل الجرثوم الذي يحمله إلى جسم ضعيف فيتولد ويقتل صاحب الجسم الضعيف وينتشر الوباء ويصاب الملايين بسبب شخص واحد
فمن أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك، هذا الأمر لا يدركه إلا من هو على علم بدقائق الأمور وتفاصيلها فهل يوجد شك بعد ذلك على أن الرسالة المحمدية رسالة عالمية حضارية تصلح لكل زمان ومكان بل هي مؤسسة لأغلب المعارف والعلوم
نصوص أحاديث الشرب:
الشرب من فم السقاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء
النهي عن التنفس في الإناء
عن عبد الله بن أبي قتادة، عن ابيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء"
التسمية على الطعام والأكل باليمين:
عن عمر بن أبي سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا غلام، سم الله، وكل بيمينك
وكل مما يليك"
المؤمن يأكل في معي واحد:
عن ابن عمر رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء"
الأكل متكئا:
عن أبي جحيفة قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا آكل متكئا"
العجوة:
عن أبي عامر بن سعد قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر"
جاءت الأحاديث كلها توجيهية صحية وقائية توجه الجمهور المستهدف إلى ضرورة الإلتزام ببعض الآداب وطرق الشرب والأكل الوقائية إلى جانب التوجيه إلى أهمية أكل التمر وقيمته الغذائية
تشير الأحاديث إلى آداب الطعام والشراب الصحية الوقائية، ففيما يخص الشراب، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم القربة أو السقاء، كما نهى عن التنفس في الإناء أثناء الشرب، لما في ذلك من مخاطر، فالنهي عن ذلك أمان من عدة مخاطر، فلا يؤمن دخول شيء من الهوام مع الماء في جوف السقاء فيدخل فم الشارب وهو لا يشعر، والنهي أيضا خاص بالشارب فيتنفس داخل الإناء أو يباشر بفمه باطن السقاء، أما من صب من القربة داخل فمه من غير مماسة فلا، ومنها أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن ن يشرق به، وبمجموعها تقوى الكراهة جدا لأن انصباب الماء بقوة فيشرق أو يقطع العروق الضعيفة التي بإزاء القلب فربما كان سبب الهلاك أو ما يتعلق لفم السقاء من بخار النفس أو ربما يخالط الماء من ريق الشارب فيتقذره غيره، فيكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة
كما أحصى في أحاديث مختلفة آدابا في الطعام بل تربية عند الأكل تبدأ بقول باسم الله أي استحباب التسمية على الطعام في أوله والأكل باليمين وجوبا من باب تشريف اليمين على الشمال لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال وأمكن في الأشغال وهي مشتقة من اليمن وقد شرف الله أصحاب الجنة إذ نسبهم إلى اليمين وعكسه في أصحاب الشمال، فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا وهو من الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق لذلك رغب الرسول في اليمين وقوله " مما يليك" أي الحيازة لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع فيه من تقذر النفس مما طاحت فيه الأيدي ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة
كذلك أراد الحديث الرابع الذي قال فيه " المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" إذ تخصص السبعة للمبالغة في التكثير والمعنى شأن المؤمن التقلل من الأكل ولعلمه بأن مقصود الشرع من أكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ولخشية من حساب مازاد على ذلك. والكافر بخلاف ذلك تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات ذلك كما أشار إلى كراهية الأكل متكئا أي الميل على أحد الشقين فلا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى له وهو أيضا من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم إلا إذا كان بالمرء مانع لم يكن في ذلك كراهة كما عني الحديث الأخير بالتمر موضحا أهميته الغذائية والصحية وحتى الوقائية فسبع تمرات كافية لتكون غذاء كامل للإنسان في اليوم كما سيأتي توضيحه
خصوصية الأحاديث:
كل الأحاديث جاءت في شكل تعليمات تخص الآداب واللياقة الغذائية التي تحمل أبعاد صحية غذائية وقائية وما يجب الالتزام به أثناء الطعام والشراب وما يجب تفاديه، فبالرغم من أن خصوصية هذه الأحاديث تتمثل في كونها تحمل آدابا عامة تخص الطعام والشراب إلا أنها تتجاوز ذلك كونها تحمل قيما غذائية صحية وقائية لمن يلتزم بها
تنتمي الأحاديث إلى موضوع واحد مشترك هو الموضوع الغذائي الصحي الوقائي حيث آداب الأكل والشرب التي يجب احترامها من قبل الجمهور المستهدف، هذه الآداب التي تحمل أبعاد وقيم صحية وقائية احترامها يؤدي إلى الحفاظ على صحة الإنسان بما في ذلك الدعوة إلى تناول التمر بانتظام لما تحتويه من قيم صحية وقائية أيضا بالإضافة إلى القيمة الغذائية وبذلك يمكن إدراج هذه الأحاديث مجتمعة في البعد الغذائي الصحي الوقائي
تستهدف تحقيق استجابة ملموسة متمثلة في التزام الجمهور بالآداب الخاصة بالطعام والشراب الصحية منها والوقائية
تتوجه جميع هذه الأحاديث إلى المسلمين عامة دون استثناء، فهم المعنيون بهذه الآداب العامة والخاصة بالأكل والشرب وهي آداب لياقة وآداب صحية وقائية تجعل من المسلمين معتدلين في أكلهم غير شرهين ومؤدبين أثناء أكلهم أو شربهم فيبدؤون الأدب مع الله بقول باسم الله ومؤدبين مع غيرهم ممن يقاسمونهم طعامهم فلا يأكلون عشوائيا بلا نظام
فالعشوائية قد تكون غير صحية لأنه يسئ لعملية الهضم، كما أن الشرب من فم السقاء والتنفس في الإناء تحمل قيم صحية وقائية أيضا إذ يمكن أن تنتقل من خلال هذه السلوكات الخاطئة عدوى الكثير من الأمراض إلى جانب كونها تدل على سوء أدب صاحبها، عموما المسلمون مدعوون من خلال هذه الاحاديث لضرورة الإلتزام بآداب الطعام والشراب الصحية الوقائية واللائقة بالفرد المسلم المؤدب
القيم الصحية البارزة:
تركز هذه الاحاديث كلها على القيمة الغذائية الصحية الوقائية، باتخاذ الأسباب الملائمة لذلك، بالسلوكات الغذائية الصحية والصحيحة الواقية من الأمراض والمشاكل الصحية المختلفة والواقية أيضا من مخاطر العدوى، فعنيت الأحاديث بابراز هذه القيمة الوقائية الغذائية التي تهتم بعافية و بدن ونفس الإنسان عناية فائقة، حيث اعتبرت صحة الإنسان ثروة نفيسة لكل من يقدر الإنسان حق قدره ودعت إلى إتخاذ التدابير والسلوكات الصحيحة لذلك للوقاية من مختلف الأمراض وسلامة الجسم منها وقدرته بالتالي على الإنجاز والعطاء ومقاومة للأمراض والأوبئة التي قد تهدد عافيته وصحته من جراء السلوكات الغذائية الخاطئة وغير الصحية التي لا تتخذ أسباب الوقاية
الأسلوب المعتمد:
جاءت الأحاديث متضمنة لأسلوبي الأمر والنهي مما يوضح أهمية المحتوى وضرورة الالتزام بالأوامر وتفادي النواهي حيث فيها ما يعود بالصحة على الجمهور المستهدف بالدرجة الأولى ووقاية له من مختلف الأمراض وكذلك تحليا بالآداب العامة الإسلامية في الأكل والشرب
قيمة الأحاديث الصحية الغذائية الوقائية:
جاءت كل الأحاديث الواردة في هذا الباب لتبين الآداب الصحية الوقائية للأكل والشرب عناية بصحة أجسام المسلمين ومراعاة للآداب الإسلامية العامة التي يجب أن يتحلوا بها، فالنهي عن الشره في الأكل والأكل متكئا
بالإضافة إلى النهي عن التنفس في الإناء أثناء الشرب والنهي عن الشرب من فم السقاء أو آنية الماء، ليست فقط أوامر ونواهي خاصة بالآداب وحسن التصرف، بل هي توجيهات صحية وقائية تتفادى انتقال عدوى فرد مريض إلى فرد سليم فيما يخص آداب الأكل والشرب، وتتفادى التخمة والسمنة فيما يخص الأكل. فالمسلم غير مسرف في الأكل أدبا وصحة، فالدراسات أثبتت أن الذي يسرف في الأكل يستغرق طاقة كبيرة لهضم الطعام وطاقة أكبر لصرفه، يعني الكمية الزائدة تتعب في هضمها وتتعب في إخراجها
ويستهلك المفرط طاقة بلا فائدة، وعندما يزيد الأمر عن طاقته يفرز في الدم مادة اسمها الكولسترول تتسرب في العروق الدموية، فإذا أصبح الإنسان في سن الشيخوخة كانت في الأماكن الضيقة، فتسبب أمراضا وانسدادا شريانيا في المخ أو شللا كاملا بموت الأطراف، لذلك فمن يأكل كثيرا من أهل المدن ويسرفون نجد أطرافهم ميتة في آخر عمرهم بينما البدوي المتعود على الأكل القليل أطرافه متماسكة والحيوية في جسمه ظاهرة لأن ليس هناك كولسترول ولا الفائض الزائد الذي يتعب الجسم، وهكذا كلما تقدم العلم في أي اتجاه يكشف مغزى نواهي الرسول وأوامره ودعوته ورسالته التي جاءت رحمة للعالمين حتى في كيفية الغذاء
وحتى كيفية الشرب لم يغفلها الرسول في دعوته الصحية الوقائية إذ التنفس في الإناء أو الشرب من فم آنية الشرب قد يؤدي إلى انتشار عدوى الأوبئة والأمراض بانتقال الجراثيم والفيروسات من شخص لآخر، ففي المناطق التي وجد أن أكثر أهلها قد أصيبوا بمرض السل المعدي، وجدوا أنهم يعتادون الشرب بطرق عشوائية مخالفة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم
فإلى جانب هذه التوجيهات النبوية الوقائية والصحية دعى النبي إلى ضرورة الانتظام في تناول التمر –تمر النخيل- نظرا لقيمته التي ذكرها في الوقاية من السم والسحر إلى جانب ما أثبتته الدراسات الحديثة حول قيمته الغذائية التي سبقهم بها الرسول المعلم إذ أظهر أن سبع تمرات تعد كافية كغذاء لاحتوائها على أغلب العناصر التي يحتاجها جسم الإنسان يحتوي على مواد كربوهيداتية منها السكريات والألياف، البروتينات، الدهون وعلى عدد من مركبات العناصر المعدنية المهمة والفيتامينات الضرورية لحياة الإنسان
وقد أثبتت التحاليل الكيميائية أن التمر الجاف يحتوي على 70% من الكربوهيدرات أغلبها السكريات المتعددة والنشا و 2,5% من البروتينات منها الأحماض الامينية والزيوت والدهون و 1,32% من الأملاح المعدنية التي تشمل مركبات كل من الكالسيوم والحديد والفوسفور والمغنزيوم والبوتاسيوم والنحاس والمنغنيز والزنك وغيرها بالإضافة إلى 10% من الألياف وفيتامينات أ،ب،ج ومضادات الأكسدة
بالإضافة إلى فوائده الطبية كغذاء مهم للخلايا العصبية، وطارد للسموم كما ذكر الرسول منذ 1400 سنة بل سبق العلم بذلك، فهو مفيد في حالات الفشل الكلوي والمرارة وارتفاع ضغط الدم والبواسير وملين طبيعي ومقوي للسمع والبصر ومنبه لحركة الرحم ومقوي لعضلاته مما ييسر عملية الولادة لاحتوائه على عدد من الهرمونات اتي تعين على ذلك، لذلك فأحاديثه احتوت على علم صحيح لم تصل إليه مدارك الإنسان إلا منذ سنوات قليلة ونطق بها هو منذ آلاف السنين مما يؤكد صدق نبوته ورسالته التي أثبتت أنها رسالة الحق الواجب اتباعها بل مؤسسة لمختلف العلوم بما فيها الصحة الغذائية الوقائية
نص حديث:
فضل الصوم:
عن أبي هريرة رضي الله عنهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا اجزي به، والحسنة بعشر من أمثالها"
من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"
جاءا الحديثان يشجعان الصوم ويوضحان شروط الصوم الصحيح لنيل الأجر الكامل
تدخل الأحاديث ضمن فريضة الصوم التي فرضها الله على عباده وهي الكف عن الطعام والشراب والشهوات ومختلف الموبقات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، فالصوم عبادة يتقرب به المسلم إلى الله، لكن الكف عن الطعام والشراب فقط وحدهما لا يكفي، فالصوم كما ورد في الحديث جنة وحصن حصين من النار مالم يخرقها والجنة إذن هي الوقاية والستر من النار يقي صاحبه (الصائم) ما يؤذيه من الشهوات ويصونه مما يفسده وينقص ثوابه ، وبذلك فالصيام اضعاف لشهوات النفس وتضعيف للحسنات لذلك يمنع الصيام الرفث – وهو الجماع ومقدماته- والجهل – كالصياح والسفه والجدال- ويمنع أيضا القتال والسب، لأن الصائم لا تصدر منه أفعال كهذه خصوصا المقاتلة، فلا يدفعه أحد لذلك ولا يعامل مثل معاملة الجاهل المسيء، فعندما يقول "إني صائم" يستفيد بقوله كف لسانه عن خصمه لأنه مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك كونه صائم
وجزاءه في ذلك قسم الله تعالى بأن رائحة فم الصائم – بسبب الصيام- أطيب عنده من ريح المسك كتحفيز الصائم على كف نفسه ولسانه وقلبه عن الخصومات والشهوات بل أكثر من ذلك يقسم الله تعالى أن الصيام له أي لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره لأنه شيء في القلب –وعليه فهو وحده يجزي عبده أي أنه المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته - وهو تحفيز قوي على الصيام الصحيح البعيد عن الشهوات والمعاصي والمنكرات ووقاية للنفس من العديد من الآثام والآفات بل إن أكبر جزاء أن جعل الصيام الصحيح لله وهو يجزي به لأن كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر أمثالها إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به تأكيدا وإشارة إلى عظم الجزاء، فلا يقترن الصوم أبدا بسوء الأعمال والجهل وقول الزور فمن لم يدع قول الزور فلا حاجة لله في صومه وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور فلا حاجة لله في صومه وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما ليس لله إرادة في صيام شاهد الزور، فإن الله لا يحتاج موضع الإرادة وهي كناية عن عدم القبول، فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول الصوم السالم منه، فالرفث والصخب والكذب وقول الزور والعمل به منهي عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا، والعمل بهذه المعاصي في الصوم زيادة في قبحها على غيرها بالإضافة إلى تحري سلامة الصوم بالنهي عنه والقصد به الامساك عن جميع المخالفات المفطرات وقول الزور من المفطرات لأنه الكذب لذلك على الصائم حفظ النطق وتحري الصدق لأن خلاف ذلك قد يؤدي إلى الإضرار بالآخرين وأذيتهم بالإضافة إلى إيذاء الكاذب نفسه بنفسه
خصوصية الحديثين
يختص الحديثان في ذكر شروط الصيام الصحيح الذي لا يكتفي بترك الطعام والشراب إذا لم يترك الصائم معها الفواحش والمنكرات وقول الزور، فالصيام دعوة للتحلي بالسلوكات الحضارية والتحلي بالصفات الأخلاقية لأنه تقرب من الله وعليه فالمسلم الصائم عليه أن يكون نموذجا للمسلم المتخلق، الحسن السلوك، فلا يخاصم ولا يفجر ولا يكذب، ولا يقول زورا ولا يعمل باطلا ليكون صومه كاملا وصحيحا وعبادته كذلك، لأن حسن السلوك مع الآخرين عبادة أيضا تقرب من الله وهو وحده يجزي به تحفيزا للمسلم الصائم على تحري الصيام الصحيح الكامل
يتنمي الحديثان للمواضيع الاجتماعية، فالصيام يتطلب من الشخص الصائم أن يقي نفسه من عدة سلوكات خاطئة بالتالي يتقي الآخرين شروره أيضا بالإضافة إلى ما يعكسه الصيام من منافع صحية وقائية على الفرد المسلم
فالصوم وقاية صحية ووقاية أيضا من عدة آفات اجتماعية كالفواحش والمنكرات وقول الزور وهذا ما جعلنا ندرج الحديثين في إطار استراتيجية اتصالية تربوية اجتماعية نفسية صحية ووقائية
يستهدف الحديثان تحقيق استجابة ملموسة علنية تتمثل في التحلي بالسلوكات اللائقة والحضارية إزاء الآخرين، فالإضافة إلى كون الصيام تربية للنفس على التحمل وأيضا تربية للجسم، فهو ايضا تربية اجتماعية حيث تعلم حسن معاملة الآخرين وترويض النفس على التحكم في الشهوات والأعصاب أيضا بترك كل ما يمكن أن يسبب الخصومات والتعدي على الآخرين ماديا ومعنويا، فالصيام الذي يدعوا إليه الحديثان ليس مجرد الانقطاع عن الطعام والشراب بل كذلك ترويض الجسم والنفس معا على السلوكات الصحيحة واللائقة حتى يكون الصيام صحيحا والعبادة كذلك، فالهدف باختصار تدريب سلوك وتربية جسم وعقل ونفس المسلم على أن يكون مثالا وقدوة للإنسان المتحضر
يتوجه الحديثان إلى المسلمين بصفة عامة لأنهم المعنيون بفريضة الصيام، فيخبرهم رسولهم بشروط الصيام الصحيح والكامل الذي يجزي الله به، إذ لا صيام صحيح وكامل دون اقترانه بالأخلاق الرفيعة والسلوكات الصحيحة التي هي أيضا تقرب إلى الله، فالمسلم الصائم مدعو عبر صيامه لترويض جسمه ونفسه تربية جسدية ونفسية وخلقية وسلوكية ودينية في آن واحد
البارزة: القيم الصحية
القيمة البارزة هي قيمة الصوم أي قوة الارادة والتحكم في النفس وقيمة الصوم في الإسلام عظيمة فهي تنمية للإنسان المسلم تنمية متكاملة من الناحية الروحية والصحية والبدنية والنفسية والخلقية والاجتماعية والفكرية كذلك
فمن الناحية الروحية فالصوم يرتقي بالإنسان فيتحرر من سلطة الغرائز ويتغلب عليها فيحصل التوازن بين متطلبات الروح والجسد، فلا يعلو أحدهما على الآخر ولذلك شرع الله ورسوله الصوم ولهذا السبب
من الناحية النفسية هناك علاقة بين الاضطرابات النفسية والأمراض العضوية كالقلق والتوتر والخوف والأرق الذي ينعكس على القلب وضغط الدم والجلطة لذلك فالصيام علاج تربوي وأخلاقي وسلوكي وخير وسيلة لتربية النفس وتقوية الإرادة والصبر ومجاهدة النفس
من الناحية البدنية يقوم الجسم بعملية تجديد وتنشيط أنسجة الجسم فيقوم الجسم عن طريق الصيام بهدم الخلايا القديمة الهرمة والمريضة وبناء خلايا جديدة أكثر حيوية وصحة وأقدر على اداء الوظيفة الجسمية فهو وقاية وعلاج في آن واحد
ومن الناحية الصحية يجعل من الصائم يتفادى الكثير من الأمراض كالسمنة والسكري الناتج عادة عن زيادة الوزن كما أنه علاج فعال من اضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر المواد الزلالية، وهو علاج لآلام المفاصل ووقاية من مرض "النقرس" الناتج عن تناول اللحوم بكثرة
من الناحية الاجتماعية فهو تنمية اجتماعية لأن الصيام تذكر للفقراء والأيتام والمعوزين، يحرك عاطفة الدين والإيمان للقيام بواجب الانفاق والسخاء والصدقة
الأسلوب المستخدم:
جاء الحديث الأول ليتضمن أسلوب القسم حيث استعمله الرسول ليؤكد على مكانة الصائم –صياما صحيحا- عند الله وهي مكانة رفيعة وذلك للتحفيز والتشجيع على سلوك السلوك اللائق والمطلوب لينال ذلك الشرف والجزاء من عند الله
كما تضمن الحديث أيضا أسلوبي التحفيز والترغيب ليس من خلال القسم فحسب بل أيضا من خلال اخباره بأن الله هو الذي يجزي بالصيام مما يحفز ويرغب ويدفع نحو السلوك المطلوب، فالجزاء أعظم من ضعف الأجر بعشر مرات وهو مرام كل مسلم والمتمثل في الجنة مما يجعل من هذا الأسلوب يدفع الصائم للامتثال لنواهي وأوامر الرسول والصبر على العراقيل التي يمكن أن تصادف الصائم أثناء صومه
أما الحديث الثاني فقد جاء أسلوبه إخباريا يخبر بسلوك خطير، مخل، ومفسد للصيام ,وأن عدم تركه لا يغني من ترك الطعام والشراب والمتمثل في قول الزور فالحكمة من الصيام أبعد من أن تكون مجرد الامتناع عن الأكل والشرب فقط فالصوم الصحيح المجزي به هو الصوم من كل ما يضر النفس والبدن وعن كل ما يضر المجتمع ومصلحته على حد سواء، وهوما يبين القيمة العظيمة والحضارية لفريضة الصيام
قيمة الحديث الصحية التربوية الوقائية العلاجية الاجتماعية والنفسية:
رغم أن الحديثان يبدوان أنهما ينصبان ضمن البعد الاجتماعي– إذ أنهما يحثان الجمهور المستهدف على التحلي بالأخلاق ومن ثم بالسلوكات الاجتماعية اللائقة حتى تكتمل عبادتهم المتمثلة في الصيام، كترك الخصومات والشتم وقول الزور... وغيرها من الآفات الاجتماعية مراعاة لمصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء – إلا أن هذا البعد الاجتماعي الظاهر يحمل في طياته بعدا آخر ذو قيمة لاتقل أهميته عن البعد الاجتماعي ألا وهو البعد التربوي الصحي الوقائي والعلاجي وحتى النفسي ، فالأحاديث النبوية الكثيرة والآيات القرآنية العديدة التي جاءت في فضل الصيام عديدة يعتقد كثير من الناس أن فوائدها مقصورة على الجوانب التعبدية وانعكاساتها الروحية والعاطفية، لكن الدراسات أثبتت أن الأداء البدني للصائم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أفضل من أداء غير الصائم، لتحسن درجة تحمل البدن للمجهودات العضلية وتحسن أداء كل من القلب وبقية الجهاز التنفسي والهضمي وغيرها أثناء الصيام، ومن هنا كانت قلة الشعور بالإجهاد وتحمل مالا يمكن للفرد تحمله في ساعات الإفطار العادية وذلك لاختلاف مصدر الطاقة في الجسم بين الصائم والمفطر، وإذا زادت مدة الصيام على المتوسط الذي شرعه الله ( من 11 إلى 14 ساعة تقريبا) فإن الأداء البدني والعضلي يبدأ في التأثر والاعياء
من المعروف أن الصوم يسبب انصهار الدهون في الجسم مما يؤدي إلى زيادة في الأحماض الدهنية في الدم فتصبح هذه الأحماض هي المصدر الرئيسي لطاقة الصائم بدلا من الجلوكوز في حالة المفطر، مما يساعد على تقليل استهلاك مادة الجليكومين في كل العضلات والكبد أثناء بذل الجهد من قبل الصائم بدلا من الجلوكوز في حالة الافطار وهذا ما يساعد في ضبط مستوى سكر الجلوكوز في الدم الذي يؤدي نقصه إلى الشعور بالإعياء
ولما كان مستوى سكر الجلوكوز في دم المفطر هو المصدر الرئيسي لطاقته كان جهده المبذول يشعره بإعياء أكبر ما يشعر به الصائم إذا قام بنفس المجهود تحت نفس الظروف
إن توجيه الصيام من الله ذو الحكمة البالغة ورسوله معلم البشرية ليس عشوائيا فنتيجة الصيام الظاهرة هي ضعف القوى وقلة النشاط وحدة المزاج وهذا يبدو أن فيه ضرر بالجسم لكن أطباء اليوم يقولون، ليس فيه ضرر بل فيه الخير، ذلك أن الجسم في الداخل يضعف الكثير من أجزائه، وذلك الضعف لصالح الجسم حتى يتخلص من الأجزاء الضعيفة، فعندما يمتنع الإنسان عن الأكل والشرب يحتاج الجسد إلى وسط معين من الطاقة والماء فيأخذ ذاك الوسط من البدن ولكنه لا يأكل الجزء القوي بل يهاجم الأجزاء الضعيفة والمريضة، ويقوم الصيام بعملية تمشيط للأجزاء المصابة الضعيفة ويتحول ويتخلص من الأجزاء التي لا يتنفع بها، لذلك أنشئ اليوم في الشرق والغرب مصحات تعالج بشيء واحد اسمه الصيام، حيث يستعمل اليوم في كثير من المصحات العالمية بنظام معين، فكثير من الأمراض لا تشفى إلا بالصوم وكثير من الأمراض الأخرى الصوم خير وقاية لها، ذاك من ناحية البدن، أما من ناحية الروح فأن النفس تقوى على شهواتها وعلى مختلف السلوكات المضرة، فالصيام ليس ركون وخمول وكسل، ففي شهر الصيام كانت أعظم حركات التاريخ كغزوة بدر التي كانت فصلا بين عهدين، عهد المطاردة والإيذاء وعهد الانتصار والقوة، كما انتهت قريش وأصنامها في مكة في شهر رمضان أيضا بالإضافة إلى أن حالة الرضا النفسي للصائم وارتفاع معنوياته لشعور قربه من خالقه ولإحساسه بالقيام بعبادة من أشرف العبادات في شهر يعتبر من أفضل شهور السنة على الإطلاق بل وأكثرها بركة ورحمة ومغفرة وعتقا من النار، مما يؤدي إلى زيادة واضحة في داخل جسم الإنسان لعدد من الهرمونات النافعة مثل: " الاندروفين" المسؤولة في داخل جسم الإنسان عن تحسن الأداء البدني وقلة الشعور بالإعياء أو الإجهاد، فما أحكم من شرع الصيام وما أصدق رسوله ، فمن الحكمة توقف الإنسان عن متابعة نظامه اليومي في تناول وجبات الطعام لفترة محددة في شكل عام يؤدي إلى راحة أجهزة الجسم الذي يبدأ خلال فترة الصيام في التخلص ما تراكم فيه على مدار السنة من دهون وشحوم وفضلات وسموم وفيروسات وطفيليات،....وهي من الأمور المهلكة لصحة الإنسان إذا تراكمت داخل جسده بكيمات كبيرة، فكانت الضرورة للتخلص منها بين فترة وأخرى بأفضل وسيلة وهي الصيام كأحد أركان الإسلام
إلى جانب تشريع صيام التطوع، الكفارات والنذر وسلامة الأرواح وطهارة النفوس وتبقى هذه الومضة العلمية المبهرة التي سبقت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد صدق على أن هذا النبي الخاتم والذي نطق بهذا الحق هو معلم البشرية من قبل خالق السموات والأرض، ومن هنا كانت ضرورة الاهتمام بالإشارات العلمية في السنة وفهمها في ضوء الحقائق العلمية المتاحة وتقديمها لأهل العصر دليلا ماديا قاطعا (لا يمكن لعاقل رفضه) على صدق النبوة ورسالة هذا النبي الخاتم في زمن اختلطت فيه المسافات وتصارعت الحضارات وتعارضت المعتقدات ولأن لأهل الحق أن يظهروه ويدعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة بخطاب العصر ولغته: الخطاب العلمي لعل أن يجعل في ذلك نهاية للحروب التي تشتعل في كل مكان، ووقفا للآفات التي تجتاح الإنسان في أغلب بقاع الأرض
نصوص أحاديث:
الخمر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شراب أسكر فهو حرام"
الميتة والأصنام:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله يقول يوم الفتح وهو بمكة: " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"
أكل كل ذي ناب من السبع:
عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع
التسمية على الذبيحة:
عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر، وسأخبركم عنه، أما السن عظم وأما الظفر فمدى الحبشة"
من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية، نقص كل يوم من عمله قيراطان"
جاءت الأحاديث كلها توجيهية تعليمية وإعلامية تنهى عن أمور مضرة بالمجتمع عموما، إذ تنجر عنها آفات أحاديث تعلم وتوجه الجمهور المستهدف إلى ضرورة الامتناع عن بعض السلوكات المضرة بالصحة بالدرجة الأولى والمضرة اجتماعيا بصفة عامة كونها تشكل آفات اجتماعية عند تراكمها
الأحاديث كلها تشير إلى آفات مهلكة بالصحة أولهما الخمر وكل ما يسكر من مخدرات حيث أنها محرمة على الإنسان بصفة عامة لما يترتب عنها من آثار مهلكة للصحة الفردية وآثار أخرى مهلكة اجتماعيا للمجتمع ككل وقد أكد الرسول على تحريم كل مسكر حتى البتع الذي سئل عنه وهو نبيذ العسل كان يشربه أهل اليمن، جوابه في ذلك كان واضحا وصريحا " كل شراب مسكر فهو حرام" أي أنه إذا كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناول منه وعليه فإن مجرد تناول شيء مسكر حرمه الله ورسوله حتى وإن لم يصل حالة السكر وقاية الناس من هذه الآفة
إلى جانب نهيه صلى الله عليه وسلم وتحريمه للميتة حتى في بيعها نظرا لخطورتها على صحة الناس فإذا حرم أكل شيء حرم عليهم ثمنه أيضا، فالعلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة والعلة في منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، والظاهر أن النهي عن بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام للمبالغة في التنفير عنها وعليه لا يمكن تداولها فلا تستهلك فتضر بصحة مستهلكيها وصحة دينهم أيضا على حد سواء
وكذلك الأمر بالنسبة لأكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير كالظفر لغيره - لكنه أشد منه وأغلظ وأحد فهو له ناب كالناب للسبع- فحرم رسول الله الحمير والبغال والأسد والفهد والصقر والعقاب والثعلب لنجاسة لحومها وبالتالي ضررها على صحة الإنسان، وحتى الحيوانات الجائز أكل لحمها ويشترط الإسلام شروطا لإستهلاكها التي تعود بالفائدة صحيا على الإنسان المسلم وأول شرط لإستهلاك لحوم الحيوانات هو الذبح أو التذكية فما أنهر دم هو حلال أكله مع ذكر إسم الله عليه أو معه غير أنه لا يحل الذبح بالظفر حيث كانت الحبشة وهم كفار يذبحون بها وفيها تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي ليس هو الذبح والذبح بالسكين هو الأصل
كما نهى الرسول عن اقتناء الكلاب واقتناء الشيء إذا اتخذه للإدخار – إلا إذا كان كلب ماشية أو ضارية والضارية المعتادة على الصيد والمستمرة فيه - وعليه فإن الكلاب ونظرا لنجاستها ينهي الرسول على اقتنائها والاحتكاك بها إلا للضرورة كما حددها لأن الإسلام دين النظافة وطهر يحرص على طهارة المسلم ومكانه وحوله والكلاب ناقلة لعدة أمراض كما سيأتي لاحقا
خصوصية الأحاديث:
تكمن خصوصية هذه الأحاديث في شكل أوامر ونواهي عن سلوكات مضرة بالصحة ولها آثار وخيمة على الفرد والمجتمع كالخمر والمخدرات وأكل لحوم غير صحية واقتناء حيوانات مضرة بالصحة
مواضيع الأحاديث تندرج ضمن البعد الصحي الوقائي التي تستهدف التوعية بسلوكات مضرة وضرورة التخلي عنها والابتعاد عنها كالمسكرات والمخدرات والميتة.... لما تجر ورائها من آفات اجتماعية وصحية حيث أن النتائج غير الصحية التي تتركها هذه الآفات ينجر عنها نتائج وآفات اجتماعية، كالمسكرات أو المخدرات المضرة بصحة الإنسان والمتسببة في غياب عقله تجر ورائها آفات اجتماعية أخرى عديدة، كحوادث المرور، العنف الأسري، ظاهرة الطلاق، الانتحار، انتشار الجريمة وارتكاب الفواحش والمنكرات
تستهدف الأحاديث التوعية بضرورة التخلي عن بعض السلوكات الخاطئة التي تنجر عنها أضرار صحية بالدرجة الأولى حيث تفاديها وقاية للإنسان من عدة مخاطر وهي المسكرات والمخدرات المضرة بصحة وعقل الإنسان وتجنب أكل اللحوم المضرة صحيا واستعمال الطريقة الصحيحة والصحية لذبح الحيوانات التي يستهلكها الإنسان بدءا بذكر اسم الله عليها وإراقة دمها لتكون لحومها صحية إلى جانب ضرورة الابتعاد وعدم الاحتكاك بالكلاب إلا للضرورة لما في ذلك من آثار سلبية على صحة الإنسان وعلى عبادته أيضا كون هذا الحيوان نجس وغير نظيف فالأحاديث كلها تنص على أمر معين وتحث على آخر لكنها تنصب كلها في هدف واحد هو الهدف الصحي الوقائي الاجتماعي الحريص على صحة الإنسان وسلامته من الآفات والأمراض
تتوجه جميع الأحاديث إلى المسلمين عامة دون استثناء فهم المعنيون بالابتعاد عن المسكرات وما حرم من سلوكات غير صحيحة عموما وذلك بتنبيههم وأمرهم بضرورة الابتعاد عنها وقاية لهم لدرجة اقترانها بصحة العبادة أيضا مما يجعل المتلقي يعي خطورتها وخطورة ما ينجر عن عدم الابتعاد عن هذه المحرمات، ليس فقط من الناحية الصحية والاجتماعية، بل حتى من ناحية علاقتهم بخالقهم، فحفظ النفس ضرورة أساسية من الضرورات التي يعنى بها دين الإسلام إلى جانب حفظ الدين
القيم الصحية البارزة:
القيمة البارزة في هذه الأحاديث هي قيمة وقائية صحية واجتماعية كذلك، حيث يؤكد الرسول المعلم على قيمة صحة الإنسان برعاية قيمة الوقاية من مختلف الأمراض والآفات المضرة بالمجتمع ككل، قبل أن تكون مضرة بصاحبها لذلك جاءت هذه الاحاديث مركزة على تحريم الخمر والمسكرات والمضرات بالدرجة الأولى عناية منه بصحة الأجسام، فالخمر والميتة وغيرها شدد في تحريمها غاية التشديد لأنها مضرة وخبائث كالخنزير وعبادة الأصنام التي تسقط الإنسان في ظلام الجهل
وحتى طريقة تناول اللحوم أعطاها طريقة صحيحة تجعل من اللحم المستهلك صحيا غير مضر ولا يؤذي البدن والصحة، حتى الكلب وما يحمله من ضرر وجراثيم نهى الرسول عن اقتناءه بالمنزل لخطورة ما يمكن أن يحمل من ضرر وأذى للإنسان من جراء احتكاكه به. ورخص استعماله للضرورة فقط، وهي كلها أوامر ونواهي تشترك في حرص الرسول على إرساء قيم وقائية صحية تحافظ على صحة الإنسان جسميا ونفسيا، وأيضا دعوة لعدم التفريط في القوة لأنها وديعة من الله إلى الإنسان عليه وقايتها من كل ضار ومؤذي
الأسلوب المعتمد:
جاءت جميع الأحاديث تتضمن أسلوبي الأمر والنهي مما يوضح أن الامور محسومة ولا جدال فيها وأن ضررها وآثارها السلبية الوخيمة على الصحة وعلى المجتمع والدين تتطلب من الجمهور المستهدف الابتعاد عنها وتفاديها
قيمة الأحاديث الصحية الوقائية والاجتماعية والاقتصادية:
جاءت الأحاديث الواردة في هذا الباب لتبين عناية الإسلام بصفة عامة والرسول المعلم بصفة خاصة بالهدف الصحي الوقائي الاجتماعي الذي يعنى بصحة الأجسام ووقايتها مما يضرها لتفادي تفاقمها على الفرد والمجتمع ككل وما بنجر عنها من آفات مختلفة، فتحريمه للمسكرات والمفترات (المخدرات) مهما اتخذت من أسماء وعناوين وتشديده في ذلك غاية التشديد بوصفها حرام (وما ينجر عنها من عقوبات شرعية) بتأثيمه لها ونهيه عنها
كالخمر وجميع المسكرات والمخدرات آفات اجتماعية تؤدي إلى تدهور صحة الإنسان وشيوع الجريمة والانحلال في المجتمع، فآثارها ليست مضرة بالصحة فقط بل بالمجتمع ككل كونها تجر ورائها آفات اجتماعية خطيرة تهلك الأسر والمجتمعات بل تهلك حتى اقتصاد البلد لما تتطلبه من نفقات للعلاج ولإصلاح ما أفسد ومعالجة ما أهلك فكان تحريمه للخمر والمسكرات أساس للوقاية من العديد من الآفات الوخيمة على المجتمع مما يعطي أحاديثه المنصبة في هذا المجال قيمة وأساسا ذات بعد صحي واجتماعي واقتصادي على وجه التحديد
بالإضافة إلى تحريمه لأكل لحوم الميتة والخنزير مع تحريم الأصنام نظرا لخطورتها على صحة الإنسان وقد كشف علم الجراثيم والكائنات الدقيقة عن دقائق وأسرار هذا التحريم، فوجدوا أن جسم الحيوان محصن ضد غزو الجراثيم مادام حيا، ولكن بمجرد موتها بعد خمس ساعات تصبح مستودعات للعفونات والجراثيم
لكنها لا تستطيع اختراق جدار الأمعاء الغليظة، فهناك جدار قوي يمنع ذلك وبموت الحيوان تسقط تلك المناعة عن الجدار وتخترق الجراثيم الجسم وتسري في الدم وتتغذى عليه وتغزو الجسم وتغرز سموما وتتولد فيه بكميات كبيرة، تضر بصحة الإنسان ضررا بالغا وهناك جدار آخر في الدماء يحول دون دخول السموم والبكتيريا داخل اللحم وهو جدار داخل كل خلية يمنع دخول المواد الضارة والسموم إلى داخل خلايا الجسم
فاذا مات الحيوان سقطت هذه الحصون والجدر، وغزت الجراثيم جسم الحيوان، وحتى الجلد بموت الكائن يغذى جلده وتدخل الجراثيم حتى من الأنف والأذن... لذلك فالميتة مستودع كبير للجراثيم المضرة بصحة الإنسان وقد أخبر المختصون أن القوانين الحديثة اليوم في أوربا تحرم انواع الميتة وأكلها بعد اكتشاف علم الجراثيم كما أن هناك دعوات قوية الآن من أوربا للتخلص من لحم الخنزير لأنهم اكتشفوا أنه مستودع لأخبث انواع الكائنات الدقيقة والبكتيريا والفيروسات والطفيليات الضارة، بل إن اللحم نفسه تركيبه مضر يضر بصحة الإنسان، وآخر الأبحاث تؤكد أن لحم الخنزير من العوامل المهيئة لوجود السرطان في الأجساد، بل إن أحد الدارسين المتخصصين في ألمانيا يقر بتكوين جمعية من الأطباء الألمان في هذا الوقت التي أخذت تصريحا بعملها، وظيفتها ومهمتها قد أسست لمحاربة أكل الخنزير والميتة العاجزة عن تحمل السموم والجراثيم الهاجمة عليها وبالتالي خطورتها وضررها على الصحة كونها مستودع للجراثيم والسموم وبقايا الفضلات
كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع أو أكل ذي مخلب من الطيور، وكلها حيوانات مفترسة وتشمل الأسود والضباع والنمور والثعالب والذئاب والفهود والكلاب والقطط والدببة... تتميز بأسنان متخصصة للإفتراس والتقطيع والتمزيق، والحكمة من هذا التحريم تنبع من طريقة الإفتراس والدم ولأن موت الحيوان قبل تذكيته (ذبحه) يسبب الأمراض والمركبات الكيميائية القاتلة التي يحملها الدم واللحم غير المذبوح والجيف
ولعل من حكمة التحريم أكل لحوم هذه الحيوانات المفترسة لابد أن ينعكس على أخلاق وطباع آكله بشيء من التوحش والقسوة والشراسة والميل إلى العنف والرغبة في سفك الدماء،
وقد لوحظ أن عدد من التجمعات البدائية التي لا تفرق بين الحلال والحرام فيما تأكل قست قلوبهم إلى حد أكل لحوم البشر، بالرغم من أن الفطرة لا ترضى ذلك ، وتحريم الرسول، أكل كل ذي ناب ومخلب سبق علمي لجميع معارف البشر التي لم تدرك شيئا من أخطار ذلك إلا في القرن العشرين، وانطلاقا من حرصه صلى الله عليه وسلم على طهارة مطعم المسلم، فقد نهى حتى عن أكل الجلالة وشرب لبنها وعن ركوبها، والجلالة هي الحيوانات التي تأكل النجسات لأنها متروكة دون صاحب كالإبل والبقر والضأن والماعز والطيور، وإذا حبست عن النجاسات مدة وعلفت طاهرا حتى يطمئن صاحبها أن جسدها قد طهر، حل أكلها وشرب لبنها فإذا زال عنها ما أصابها من النجاسات صارت حلالا طيبا
وقد أمر الرسول بذبح الحيوانات التي يحل أكلها بتذكية الدم وذكر اسم الله عليها وهو أمر ضروري كأنما يقول الذابح، أنا لم أذبح هذا الحيوان تسلط مني بل بإذن إلاهي لي، الذي أباح لي أن أذبحه لأكله، فأنا أذبحه باسمه تبارك وتعالى، فلله تعالى حق في كل شيء كثر أو قل، صغر أو كبر، فالذبح إحسان للحيوان، ورحمة به وإحسان أيضا للإنسان الذي يأكل لحم هذا الحيوان الخالي من السموم نظرا لطريقة ذبحه الصحية الوقائية بالنسبة للإنسان والبيئة الصحية أيضا للحيوان الذي يرحم بالذبح إذا اقتضت الضرورة لاستهلاك لحومه . كما نهى الرسول عن استعمال السن والظفر في الذبح لأن السن عظم وليس سكينا والظفر كان يستعمله أهل الحبشة عوض السكين المخصص للذبح، فشرط جواز أكل لحم الحيوان الحلال ذبحه وتذكيته، والذبح هو إخراج للدماء من جسم الحيوان فلا يجد الجراثيم مادة سائلة سهلة تعينها على النمو والانتشار بسهولة، والحيوان إذا أدركناه لم يمت، معنى ذلك أنه لا يزال يقاوم، وأن الحياة موجودة وتقاوم الخطر فإذا أزيلت الدماء بالذبح شفي الجسم من المادة التي تعين على تكوين الجراثيم
والنهي عن استعمال السن والعظم و الظفر في قتل الحيوان له حكمة أيضا إذ أنه لا يدخل ضمن شروط ذبح الحيوان وتذكية دمه، لأن الحيوان قد يموت ببطء ويدخل لحمه ضمن المتردية والنطيحة التي تعني الموت ببطء، فتغزو الجراثيم الجسم
وتصبح الدماء مستودعا خصبا للجراثيم كما قد ينطبق حكم المنخنقة المحرم أكلها أي التي ماتت اختناقا بموت بطيء، مما يجعل لحم الحيوان مستودع للجراثيم،
أو الموقوذة التي ضربت ضربا شديدا حتى ماتت، مما جعل العروق تتحطم وتختلط بالدماء، مما يفرز موادا سامة تؤدي إلى التورم، مما يفقد الحيوان مناعته ويصبح جسمه بيئة للجراثيم فتغزوه
وعليه فإن الحكمة من الأمر بالذبح وذكر اسم الله عليه هي صحة الإنسان واجتناب كل ما يمكن أن يؤدي إلى أذى بسبب لحم الحيوان، فالذبح رأفة حتى بالحيوان لأنه قطع للأوداج الذي يفقد الحيوان الوعي والاحساس ولا يحس بعدها بأي شيء لأن الضرر انتهى بانقطاع الدم/، ومهما فعلنا بالحيوان فلا يشعر بشيء، وتحرك الحيوان بعد الذبح لضخ الدماء الموجودة في الأحشاء والعضلات ويدفع بها إلى القلب والقلب يرسلها فتخرج ويتحرك الحيوان حتى يصفي ما بداخله من دماء، التي تعتبر خطر على صحة الإنسان إذا بقيت، فالذبح تصفية جسم الحيوان من الدماء المسببة للأضرار والأخطار ورحمة بالحيوان الذي لا يشعر بشيء بمجرد قطع العروق بسكين حادة حتى لا يحس، فسبحان من رحم العباد والحيوان وسبحان من علم معلم البشرية كل هذه الأمور التي هي صفعة لجمعيات الرفق بالحيوان التي تدعى أن المسلمين متوحشون لأنهم يذبحون الحيوانات، فمن يعذب الحيوان. عندما يذبح وتقطع عروقه فورا أم عندما يضرب أو يخنق أو تكسر عظامه، لقد آن لعلمائنا وقادة فكرنا أن يقدموا دعاوي مضادة على ضوء العلوم نفسها
وينهى الرسول أيضا عن اقتناء الكلاب الضارة إلا لضرورة الرعي أو الصيد، لأن ذلك ينقص من عمل المسلم قيراطان، وهو حجم كبير يدل على نجاسة هذا الحيوان وضرورة ابعاده عن الإنسان، ولما كان في كل نهي حكمة تتجاوز مجرد النهي لبعد آخر ضمني نعرفه بالبحث والتقصي فإن طبيبا عالميا يدعى البروفسور نلسون من أكبر أطباء بريطانيا متكشف لمرض يسمى باسمه "مرض نلسون" قدم بحثا عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
لقد أقر البروفسور نلسون في مؤتمر عقده بالمناسبة أنه لو اتبعنا تعاليم محمد رسول الله، لما أصيب الناس بمرض البلهارسيا، حيث يقول: " عجبت لتعاليم الرسول التي تنهي عن مخالطة الكلاب، فلعابها يجب أن يبعد، والأنية التي يعلق فيها يجب أن تغسل عدة مرات، والكلب لا يصح أن يدخل البيت" تعاليم الرسول تقف وحدها دون تعاليم الناس كلها إلى يومنا متميزة واضحة بأن هذا الكلب يجب أن يعامل هذه المعاملة
فالكلب يحمل أكثر من 50 مرض طفيلي تتسرب إلى الإنسان بفعل مخالطته له وينتج عنه مرض يدعى البلهارسيا، وهو مرض يفتك بالملايين من الناس في العالم، والوقاية منه تكون باتباع حديث الرسول الذي ينهى عن مخالطة الكلاب، وبشاهدة البروفسور نلسون بقول الوقاية من هذا المرض يجب اتباع أحاديث الرسول، حيث لو اتبع المسلمون وغير المسلمين هذا الحديث لانتهى مرض البلهارسيا في العالم
الكثيرون سيقولون بعد الاكتشاف يقول المسلمون هذا موجود عندنا في القرآن الكريم والسنة فلم لم يسبق المسلمون الناس؟ لأن هممنا قاصرة وأن العيب فينا وليس في ديننا ولأن الأمة الإسلامية قبل فترات الانحطاط كانت الرائدة في مجالات الدين والدنيا على حد سواء، ولما ضيعت دينها ضاع دينها ودنياها، والعيب لا في القرآن ولا في السنة ولا بضعف في رسالة محمد، بل يزيدها جلاءا وبيانا، لأن المسلم هو الذي اكتشف هذه الحقائق وضبطها مع الآية والحديث وشاء الله أن يجعل غير المسلم يكتشفها ويعرفها وينطق بها ويكون شاهدا ويتبين له أن الإسلام حق، فهذا لا يخدش الإعجاز ولا يضعف البينة بل يظهرها ويجليها، ولكن احتجاجهم في مكانه ولومهم للمسلمين في موضعه ! فمن المفروض أنه للمسلمين إرشاد، بيان يمكنهم من استباق الناس في الاكتشافات مثل الذي يدخل مصنعا وليس عنده إرشادات من الصانع فلا يكتشف أسرار المصنع إلا بعد فترة طويلة فالذي يدخل المصنع وعنده كتالوج عنده إرشادات يكتشف بسرعة، والمسلمون لهم كلام الله خالق الكون فلابد أن يسبقوا غيرهم إلى جانب أحاديث نبيهم ومعلمهم. ففتح أبواب العلم ينطلق من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف
نصوص أحاديث:
إثم الزناة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن"
الحدود:
عن عبادة بن الصمت رضي الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا ولا تزنوا"
الشرك والسحر من الموبقات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسحر"
شرب السم والدواء به وما يخاف منه والخبيث:
عن أب هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه ويلم قال: " من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالد مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا ومخلدا فيها أبدا" "
جاءت الأحاديث تنهي عن مختلف الفواحش والمنكرات كالزنا والسرقة والشرك بالله والسحر وقتل النفس
لقد تضمنت كل الأحاديث النهي عن سلوكات مضرة بالصحة وبالمجتمع وهي جميعها مجتمعة تشكل آفات صحية اجتماعية خطيرة على المجتمع، فكان الحديث الاول متضمنا للنهي عن آفة الزنا وذلك بانتفاء صفة الإيمان عن الشخص الزاني – وهي علاقة غير شرعية وخارج إطار الزواج-، فمن خرج من الإيمان بقي في الإسلام فالمراد بالإيمان كماله لا أصله بالإضافة إلى انتفاء صفة الإيمان كذلك عن السارق الذي يسرق ويأخذ ما ليس له حق فيه وبغير وجه حق مثلما تنتفي عن شارب الخمر وعن القاتل، فهذه المناهي المذكورة في الحديث نفى الرسول عن مرتكبها صفة الإيمان لعظم المفسدة الشديدة التي تنتج عنها لذلك فهي ذنوب عظيمة لعظم نتائجها الوخيمة وما تخلفه من آثار صحية واجتماعية بليغة إلى جانب فساد الدين
أما الحديث الثاني فجاء ليؤكد على تركيز الرسول على العهد الذي ألزم به أصحابه بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة ومن تبعه إلى يوم الدين بأن لا يشركوا بالله شيئا ويوحدوه وحده ولا يسرقوا ولا يزنوا، وقد ضم كلا من الشرك والسرقة والزنا في نفس الحديث للدلالة على خطورة آفة السرقة والزنا إلى جانب خطورة الشرك، فهي حدود لا ينبغي تجاوزها لأنه في ذلك اختراق للعهد الذي ألزم به الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين وأضاف في الحديث الرابع زيادة على النهي عن الشرك، النهي عن السحر كذلك باعتباره آفة لا تليق بالمسلم الموحد لله وقد اعتبر الرسول الشرك وآفة السحر من المهلكات – أو الموبقات كما جاء في الحديث- ودعى إلى اجتنابها، وقد انتصر الحديث على ذكر اثنين من المهلكات لتأكيد أمر السحر والشرك تنبيها على أنهما أحق بالاجتناب
أما الحديث الأخير فقد نهى الرسول فيه عن قتل النفس مهما اختلفت الوسيلة في ذلك، فمن أسقط نفسه من جبل و تعمد ذلك فعاقبته عذاب من الله وكذلك من تغذى أو تجرع سما، فحتى الدواء الخبيث أي الدواء بالسم منهي عنه لأن التداوي بالحرام منهي عنه أيضا إلى جانب نهيه عن قتل النفس بالطعن ، فالمنتحر بوسيلة حديدية يطعن بها نفسه جزاءه من جنس عمله حيث توعد الرسول المنتحر مهما كانت كيفية انتحاره بنار جهنم خالدا فيها لتبيين عظم الجريمة المرتكبة والتعدي على النفس المحرم في شريعة الإسلام والحرص على سلامة هذه النفس ووقايتها من الهلاك
خصوصية الأحاديث:
وتكمن خصوصية الأحاديث في كونها أحاديث وقائية تحث على الوقاية من مختلف الآفات الاجتماعية بما فيها الصحية المتضمنة فيها، فهي كلها تدعو إلى ضرورة التخلي عن السلوكات المضرة بالصحة وبالمجتمع والتي تجر ورائها مختلف الآفات والفواحش والمنكرات المؤدية إلى ضياع الفرد وهلاكه وتفكك المجتمع وهلاكه أيضا بسبب انتشار هذه الآفات المنهي عنها والتي كانت مقترنة دائما بالشرك بالله كدلالة على عظم ذنب مقترفها من جهة وللدلالة أيضا على أن توخي سلامة النفس مقترنة بصحة العبادة أيضا
رغم أن كل الأحاديث يمكن إدراجها في إطار واحد وهو الوقاية من الآفات الاجتماعية إلا أنها تتضمن أيضا استراتيجية تربوية صحية وقائية واجتماعية نفسية، ويمكن أن نقسم هذه الآفات إلى أنواع كما وردت في الأحاديث، فهنالك: آفة الزنى وآفة السرقة، الخمر، القتل والسحر والانتحار والتي اقترنت كلها بآفة الشرك بالله، كدليل على أن العقيدة الصحيحة لا تقبل شيوع الفساد والآفات بل تصح بصحة الحياة الصحيحة، الحضارية، الآمنة والمستقرة، فهي التي تليق بالإنسان المسلم المؤمن، لذلك أورد الرسول الآفات الستة المهلكة للفرد وللمجتمع مع آفة الشرك بالله، بل نفي صفة الإيمان على مرتكبها، بل ويتوعد المنتحر المعتدي على نفسه بنار جهنم مهما اختلفت وسيلة انتحاره
لذلك يمكن إدارج الأحاديث ضمن الموضوع التربوي الاجتماعي الصحي الوقائي وحتى النفسي
تستهدف الأحاديث التنبيه والنهي عن بعض الآفات الاجتماعية نظرا لعواقبها وخطورتها الصحية والاجتماعية، حيث النهي عنها جاء جملة وتفصيلا، فالزاني والسارق وشارب الخمر والقاتل والساحر والمنتحر والمشرك بالله خرجوا بسلوكاتهم الخاطئة هذه من دائرة الإيمان وحتى التوحيد، وما اقتران هذه السلوكات المضرة بالشرك بالله في كل مرة إلا دليل على فداحتها
تتوجه الأحاديث كلها للمسلمين عامة، وذلك من خلال نهيهم عن السلوكات المهلكة والتي تؤدي بهم ليس فقط لمخاطر صحية وفقدان الروابط التي تجمعهم بمجتمعهم بل تنتفي عنهم صفة الإيمان أيضا بمجرد ارتكابهم لأحد هذه الذنوب المهلكة المنهي عنها والتي توعدهم فيها بعذاب الله في حالة ارتكابها ليبين أنها تجاوز لحدود الله وبعد عنه وعن دينه، مما يوضح ارتباط صحة الحياة في الدنيا بصحة الدين، ووقاية الفرد والمجتمع من المهلكات هي وقاية اجتماعية ووقاية من فساد الدين أيضا، فدين الإسلام كما يحرص على سلامة الدين يحرص أيضا على سلامة الحياة الدنيا ولا تعارض بينهما بل العكس الحرص على سلامة النفس من كل المفاسد من الحرص على سلامة الدين والاعتقاد الصحيح وهذا ما تحاول الأحاديث إيصاله للجمهور المستهدف
القيم الصحية البارزة:
تبرز في هذه الأحاديث القيمة الوقائية المهتمة بالصحة بصفة عامة والصحة الاجتماعية وحتى النفسية، فالإنسان بالنفس لا بالجسم بينهما تبادل في التأثير، كلاهما يؤثر في الآخر قوة وضعفا، صحة وسقما، اعتدالا وانحرافا وأثبت ذلك علميا، فالسرقة وشرب الخمر والسحر هي أمراض نفسية، لها أضرار نفسية أيضا على الفرد والمجتمع قبل أن تكون آفات مدمرة للمجتمعات، لذلك دعا الرسول إلى ضرورة الوقاية منها بمقاومة آفات مهلكة كالسرقة والزنا والانتحار وشرب الخمر والشرك بالله المؤدية كلها إلى دمار المجتمعات، حيث الوقاية منها هي المخرج الوحيد من هذه الآفات فقوله صلى الله عليه وسلم وعمله وتقريره القائم على العلم والتجربة و الهداية والطب الصحي هو الأسوة الحسنة لأنه مؤيد بالوحي الإلهي الذي يكرم الإنسان ويحافظ على صحته البدنية والنفسية عبر مبادئ وقائية صحية، أرسى قواعدها الإسلام الصحيح وحرص على تثبيتها بسننه القولية والفعلية والتقريرية
- الأسلوب المعتمد:
جاءت الأحاديث تحمل أسلوب النهي بقوله صلى الله عليه وسلم مثلا: " لا تشركوا، لا تسرقوا، لا تزنوا.." بالإضافة إلى أسلوب الوعيد والعقاب حيث يتمثل أسلوب الوعيد في انتفاء صفة الإيمان من الشخص المقترف لأحد هذه الآفات والعقاب المتمثل في الخلود في نار جهنم وهي كلها أساليب دالة على خطورة هذه الآفات والمفاسد المنجرة عنها
قيمة الأحاديث التربوية الصحية الوقائية النفسية والاجتماعية :
جاءت كل الأحاديث حاملة للبعد التربوي الوقائي الصحي والاجتماعي وحتى النفسي، حيث استهدفت تربية ووقاية الجمهور المستهدف من مختلف الآفات المهلكة للمجتمع والمتمثلة بالدرجة الأولى في الشرك بالله ثم الفاحشة المتعلقة بسوء استخدام الجسد الإنساني وهو الزنا، حيث الجسد الإنساني أمانة من الله تعالى له كرامة مستمدة من كرامة الإنسان لذلك كرمه الله حيا وميتا وكان التشديد في الأمر بالمحافظة عليه والنهي عن الإساءة إليه بسوء استخدامه أو إهانته وإهدار كرامة الجسد قضاء على صاحبه وهو موقف يتنافى تمام مع مقام التكريم الذي رفع الله تعالى إليه الإنسان، ومن هنا حذر الرسول بل توعد من يقتل نفسه بأي وسيلة كانت حيث جزاؤه في ذلك نار جهنم إلى جانب النهي عن السرقة والخمر والقتل والسحر كآفات مهلكة للفرد والمجتمع
لقد صان الرسول من خلال أحاديثه أمته من مقدمات الفساد ومقدمات الفاحشة بجعل مسافات بين الفرد وهذه الآفات عن طريق التشريع والعهد حتى لا تقع الكوارث والمصائب، فبعد أن استباحت المجالس التشريعية وأقرت بالفواحش حتى الشاذة منها المنافية للفطرة بحماية القانون – فانحطوا إلى ما دون الحيوانية- عاقبهم الله بأمراض نقص المناعة المكتسبة الايدز الذي لم يكن معروفا بين أفراد البشر، والإيبولا والهربز وهي أمراض جديدة ناتجة عن شيوع الفواحش أيضا، ومن العجيب أن الباحثين الغربيين اليوم والذين درسوا هذه الظواهر والآفات يقدمون نصائحهم للناس فيقولون للنساء والرجال ليس من حل إلا العفاف والطهر واكتفاء الأزواج بالزوجات وإلا أصبحنا في دمار لكن دين الله الحق الذي بعث به محمد، قد وقانا منها منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة حتى لا يكون السقوط في هذه المصائب والآفات المهلكة
وكذلك شيوع السرقة والقتل وشرب الخمر تؤدي كلها إلى تفكك المجتمع بل انهيار إذ انه من نتائج ضياع الدين، فلو كان الشخص مؤمنا لما أقدم على هذه الآثام وهو ما يبين صلاح الفرد المسلم ودوره في بناء المجتمع السليم ذو المبادئ والقيم، فضياع الدين يؤدي إلى ضياع الخلق والمروءة وشيوع الآفات مثل السرقة والقتل التي تؤدي بدورها إلى ضياع العقل والمال والوقت وهي كلها أمانات يسأل عنها الإنسان فحتى المنافع قد تنجر عن هذه الآفات حرام كالتجارة في الخمر مثلا، فهما جريمتان، وما ينجر عنهما من إثم أكبر من النفع وحتى استعمال الحرام كدواء يعد حراما أيضا، فلا يمكن لحرام أن يداوي، بل إن الخمر أم الفواحش تجر وراءها العديد من الآفات كالسرقة والقتل والزنا وحتى الانتحار لأن شربها يؤدي إلى فقدان العقل وعدم الوعي واقتراف جميع الموبقات والمحظورات فهي أم الكبائر لذلك فهي حرام جملة وتفصيلا
لما تسببه من أمراض نفسية واجتماعية وحتى بدنية، فقد أثبتت الدراسات الطبية أن تناول الخمر يؤدي إلى تسمم الجسم واضطراب الذهن وفقدان الذاكرة وأمراض أخرى عقلية وجسدية كالفشل الكلوي واحتقان البروتستا والتهاب الجهاز الهضمي بدءا من الفم وانتهاءا بالمصران الغليظ، وتنتهي بسرطانات عديدة، مرورا بقرحات والتهابات الكبد والبنكرياس وارتفاع ضغط الدم واضعاف القلب والسكتات الدماغية وضعف جهاز المناعة بالإضافة للاضطرابات العصبية كما تشوه الأجنة في بطون أمهاتهم بالإضافة إلى الجرائم السلوكية التي تحدث تحت تأثير الخمر مما دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى إصدار بيان لها سنة 1979 تقرر فيه " أن تعاطي الخمور هو أحد المشكلات الكبرى في العالم يعيق التقدم الصحي والاجتماعي والاقتصادي ويساهم في تحطيم الصحة العامة ولا يوجد حل لها فيهتف كل منصف بصدق رسول الله، الذي نهى عن شرب الخمر المؤدية إلى شيوع الفواحش والآفات وكما نهى الرسول المعلم من أمر الفواحش التي تؤدي إلى الإعتداء على حرمات الناس كالاعتداء على أموالهم بالسرقة وعلى أنفسهم بالقتل -مما يزيد من تفكك المجتمع- وشيوع اللامن واللاستقرار فيه، نهى أيضا عن السحر والشعوذة والكهانة والخرافات التي لا أساس لها من الصحة، يلجأ إليها أصحاب النفوس المريضة، فيصدقون الإدعاءات الباطلة التي تستخدم المجالات الغيبية لإبتزاز البسطاء والسذج والجهلة من البشر بإدخالهم في دهاليز الظلمة والضلال، لذلك نهى الرسول وحذر من ذلك، خاصة مع تطور تلك الضلالات المنتشرة من قراءة للطالع والتنبؤ بالمستقبل وقراءة الكف والفنجان و فتح ورق اللعب والتنويم المغناطيسي التي نهى عنها الرسول لأنها شعوذة
فالشعوذة والتنجيم كخرافة ومعصية تختلف عن علم الفلك ودراسة النجوم بالملاحظة والاستنتاج، فهي علوم مرغوب فيها ومؤكد عليها لا يجوز للأمة التخلف عنها لأنها علم مستند على مناهج علمية وما نهانا الرسول عنه هو استخدام المجالات الغيبية لابتزاز البسطاء والسذج والجهلة عن طريق السحر والشعوذة
وهي كلها مجتمعة آفات نهى عنها معلم البشرية وقائدها مراعاة للمصلحة الصحية والاجتماعية للفرد والمجتمع ككل، انتشارها يؤدي إلى مرض وتفكك المجتمع والوعي بخطورتها يؤدي إلى الإبتعاد عنها بالتالي وقاية الفرد والمجتمع من الهلاك والتخلف
نص الحديث:
الشفاء في ثلاث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي"
الحديث توجيهي تعليمي صحي يوجه الجمهور المستهدف إلى ضرورة استخدام الحجامة وتناول العسل من أجل الشفاء، كما يتضمن الحديث أيضا النهي عن الكي مع أنه طريقة تستعمل للشفاء
يشير الحديث لطرق الشفاء التي دل عليها الرسول والمتمثلة في الحجامة أو كما ورد " شرطة محجم" والمحجم أو المحجمة هي ما يحتجم به بمشرط مساعدة، والحجم في اللغة المص والفعل منها يحجم حيث تعتمد الحجامة على خلخلة الهواء على الأجزاء المتضررة من الجسم أو فوق نقاط محددة منه بواسطة كاسات ذوات فتحتين، يشفط الهواء من احدهما وتوضع الأخرى فوق الموضع المحدد من الجسم فتبرز منطقة الجلد تحتها محتقنة بالدماء فتشرط بمشرط على هيئة جروح سطحية بسيطة بطول لا يتجاوز 3 سنتمتر وبعمق لا يتجاوز 1 ملم ونصف ومنها يفصد الدم بالشفط وقد عرفت الحجامة في عدد من الحضارات االقديمة حتى عند العرب في الجاهلية وأقرها الرسول وانتقلت إلى أوربا عبر الوجود الإسلامي بالأندلس
فالحجم يستفرغ الدم وهو أنجحها شفاء عند هيجان الدم، وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن، لذلك اعتبرها الرسول طريقة ثانية للشفاء لاحتوائه على قدرة شفائية للناس إذ يخرج من بطون النحل بألوان مختلفة بقدرة الله تعالى الذي جعله شفاء للناس أجمعين
وأما الكي فقد وصفه النبي ثم نهى عنه، وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها أخر الدواء الكي، فنبه الرسول على أصول العلاج لاختلاف الأمراض، فالدموية مثلا شفاؤها بإخراج الدم، أما الكي آخر العلاج ما تعسر إخراجه من الفضلات، ونهى عنه مع إثباته الشفاء فيه لعلمه أن جانب المضرة أغلب، فالأمراض الحارة تعالج بإخراج الدم لما فيه من التسخين والإنضاج والتلطيف والجلاء والتليين، فتستفرغ المادة برفق
خصوصية الحديث:
تكمن خصوصية الحديث في كونه حديث صحي طبي علاجي يشمل طرق الشفاء والعلاج، والدعوة إلى استخدام الأفيد والأصلح منها والأنجع والأكثر فائدة والمتمثلان في الحجامة وتناول العسل
ينتمي الحديث للمواضيع الصحية العلاجية بوصف أدوية شافية والمتمثلة في الحجامة والعسل والكي، غير أن هذه الأخيرة، نهى عنها الرسول لضررها الأكبر من نفعها، ودعى أمته لإستعمال الحجامة والعسل كأدوية مفيدة وفعالة وشافية لذلك يمكن إدراج الحديث ضمن المواضيع الصحية العلاجية
يستهدف الحديث توجيه الجمهور المستهدف لطرق الشفاء وضرورة استخدام الأنفع منها كعلاج وهما الحجامة والعسل، فالهدف هدف صحي يدعو لاستخدام الدواء الأنجع والأفيد من أجل الشفاء
يتوجه الحديث إلى المسلمين عامة: إذ ذكره الرسول في هذا الحديث مشيرا إليه بـ "أمتي" داعيا إياها لإستعمال الطرق الأنفع للشفاء مع نهيه عن الطرق المضرة منها والمتمثلة في الكي لكبر حجم ضررها مقارنة بنفعها
القيم الصحية البارزة:
القيمة البارزة في هذا الحديث هي قيمة العلاج والشفاء والحرص على سلامة الصحة البدنية بالحرص على الدواء وطلبه في حالة المرض حرصا على عافية البدن والحواس من مختلف الأسقام، إن أمره ودعوته صلى الله عليه وسلم للتداوي هو إقرار بوجود الدواء لكل داء وهو تأكيد على قيمة الشفاء الممكنة والتي منها كما وردت في هذا الحديث، تناول العسل والحجامة، وتتجلى قيمة الشفاء عند الرسول بإقراره أنه لكل داء دواء كتقوية لنفس المريض والطبيب معا وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فنفسيا شعور المريض بوجود دواء لدائه يجعل قلبه معلقا بالأمل والرجاء مما يعطيه قوة نفسية ومعنوية تبعد اليأس عنه وهو سبب قوي لدفع المرض
والشفاء النفسي في نفس الوقت يساعد الشفاء البدني، وما جعل الله من مرض إلا جعل له شفاء بضده على الطبيب التفتيش عليه بالعلم
الأسلوب المعتمد:
جاء أسلوب الحديث حاثا وداعيا بل معلما لطرق الشفاء، وفوائد الحجامة والعسل الطبية، كما تضمن الحديث أسلوب التهي الذي تمثل في نهي الجمهور المستهدف عن استعمال الكي كطريقة للعلاج
قيمة الحديث الصحية الشفائية العلاجية:
جاء الحديث متضمنا للبعد الصحي الشفائي العلاجي بالحث على ضرورة استخدام الأدوية النافعة للشفاء من مختلف الأمراض والمتمثلة في الحجامة التي أثبتت الدراسات أن استخدامها جد فعال في علاج الأرق والصداع والإدمان والآلام الجسدية المختلفة لأن لها مفعولا مسكنا ومهدئا، كما لها تأثيرات فاعلة على جهاز المناعة في الجسم مما يعينه على مقاومة الالتهابات الفيروسية والميكروبية المختلفة، كما تساعد الحجامة أيضا على تنشيط الموصلات العصبية ومراكز الحركة في الجسم
وقد أوصى الرسول باستخدام الحجامة في حالات أوجاع الرأس الشديدة (الصداع) التي تحمل على ارتفاع ضغط الدم والصداع النصفي والشقيقة وحالات تهيج الدم نتيجة التوتر الشرياني، وفي حالات التواء المفاصل والآلام الشديدة
وقد أكدت الدراسات جدوى الحجامة في كل هذه الحالات، فالحجامة شبيهة بعمل الإبر الصينية أو التدليك، تؤثر في الجزء المصاب أو الذي يعاني الآلام، إذ تنطلق نبضات حسية من مكان الإصابة أو الألم على هيئة استغاثة إلى مراكز الحس والتحكم غير الإداري بالدماغ، فتنبعث أعداد من المواد الكيميائية والهرمونات من الجزء المصاب إلى مناطق مركزية في المخ فيرسل المخ على الفور إلى الأجهزة المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية أمرا بإسعاف الجزء المصاب أو المتألم وإعانته على تجاوز إصابته أو ألمه
وأفضل العلاج ما يقوم به الجسد بذاته لمختلف أجزاء فيه، كما أثبتت الدراسات والبحوث المختلفة الخاصة بالطب، أن الحجامة تعيد للجسم حيويته وتقوي مناعته وتحفظ توازنه فتستخدم عند الحاجة ويمكن أن تكون في كل وقت وتكرر عند الحاجة أيضا وقد ثبتت جدوى الحجامة في كل الحالات التي وصفت لها في أحاديث الرسول بالتجارب العلمية الحديثة وتأكيده على ضرورة العلاج بمختلف الوسائل المتاحة ومنها الحجامة
وكذلك العسل وهو ثاني وصفة دواء دعى إليها الرسول من خلال هذا الحديث، حيث تقدم الطب وكشف ما للعسل من فوائد عظيمة وقد ذكره الله تعالى في القرآن بأنه شفاء للناس
وقد أقر بذلك الدكتور الروسي بيرس في كتابه الذي ترجمه الدكتور محمود الحلوجي حيث قال فيه أن أحدث طرق العلاج هو بعسل النحل، إذ يعالج كل الأمراض التي تصيب أجهزة الجسم، فجربه للجروح، فلم يجد أطيب منه، ولآلام البطن هو خير ما يكون لذلك، لذلك أطلق على النحل بالصيدلي الصغير، إذ يطوف على الأشجار كلها ويأخذ رحيق الأزهار من الأشجار كلها ويأتي العلم اليوم ليؤكد ويقول حقا فيه شفاء إذ أنه يعالج حتى قرحة المعدة، حيث هناك إحصائيات عن الذين عولجوا بالعسل من قرحة المعدة، فإذا كان الوسط فيها قويا زائدا عدلها فجعلها تتحرك بصفة حمضية، وإذا كانت حمضية تتحرك بصفة قلوية فالعسل يعدل فيشفي جميع الأمراض المختلفة
وعليه فاليوم مع تقدم العلم جاء هذا الأخير مؤيدا للرسالة المعاصرة والحضارية للرسالة المحمدية التي تثبت كل يوم انها صالحة لكل زمان ومكان، بل جاءت حاثة على العلم الصحيح والعلم في سيره وفي حركته يأتي مؤيدا أو مؤكدا للقرآن والسنة ومثبتا لهما
هذا الحديث الصحي العلاجي الطبي حديث صحي جامع يحمل وصفتي دواء أجمع العلماء والأطباء وذوو التجربة، أنهما فعلا دواء بل صيدلية لمختلف الأمراض، فسبحان من علم محمد هذه العلوم التي لخصها في جملة واحدة من خلال رسالة الحق.
نصوص أحاديث:
الحبة السوداء:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت البني صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذه احبة السوادء شفاء من كل داء، إلا من السام" قالت وما السام؟ قال: الموت"
المن شفاء العين:
عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين"
إذا وقع الذباب في الإناء:
عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء" "
هي أحاديث تعليمية توضيحية صحية، توجه الجمهور المستهدف إلى بعض الأغذية الصحية التي تحتوي على دواء لمختلف الأمراض بالإضافة إلى تعليم الجمهور المستهدف كيفية التعامل مع الذباب في حالة وقوعه في إناء يضطر صاحبه لتناول ما بداخله دون أن يضره ذلك، وهي تشترك كلها في كونها أحاديث توجيهية تعليمية صحية تعنى بصحة الجمهور المستهدف بالدرجة الأولى
يشير الحديث الأول إلى أهمية الحبة السوداء لمختلف الأمراض ماعدا الموت الذي هو حق لكل إنسان ينقضي أجله، والحبة السوداء، نبتة عشبية حولية تنمو حول حوض البحر المتوسط وتزرع كثيرا في دول العالم واسمها العلمي ( Nigella Sativa) كما تسمى بحبة البركة وفي المغرب يطلق عليها السانوج أو سينوج وفي فارس باسم شونيز وتعرف أيضا بالكمون الأسود
وهي حبة فلقية سوداء تستعمل كأحد التوابل التي تضاف إلى الطعام لتحسين مذاقه وقد دفعت الأحاديث النبوية المتعددة عن الحبة السوداء بالعلماء والأطباء في القديم والحديث للبحث عن إمكانية الإستفادة منها طبيا في علاج بعض الأمراض بإعتبار أن لفظة الشفاء جاءت غير معرفة، فلا تعم كل الشفاء، وإنما نسبة الشفاء تزيد وتنقص حسب نوع المرض وشدته
وخلصت الدراسات إلى أن الحبة السوداء فيها شفاء وأن لها علاقة مباشرة بجهاز المناعة في جسم الإنسان المسخر للدفاع عن هذا الجسم، كما أثبتت التجارب والدراسات على عدد من المصابين بنقص المناعة المكتسبة زيادة واضحة في عدد خلايا الدفاع عن الجسم المسماة باسم خلايا ت4 وت8 (T4-T8 cells) مع تناول المنتظم لجرعات مناسبة في الحبة السوداء، بل وصنعت كبسولات تحتوي كلا من الحبة السوداء والثوم والعسل تسمى (comigar) أي (combined Nigella Sativa and Garlic) ووافقت الأجهزة الرسمية في و.م.أ على الترخيص بإنتاج هذا العقار لثبات أثره الفعال في علاج أمراض نقص المناعة الخلقية والعارضة
كما يشير الحديث الثاني لأهمية الكمأة (واحدها كمء) وهي من الفطريات الجذرية التي تنمو تحت الأرض بالتكافل مع جذور نباتات معينة لأعمق حوالي ثلاثين سنتمتر تحت سطح التربة، وهي كروية لحمية الملمس رخوة لونها يتدرج من الأبيض إلى الرمادي إلى البني والأسود، ولها رائحة نفاذة، وهي أنواع عديدة مختلفة الأشكال والألوان، وقد وصفها الرسول بأنها من المن أي منة وفضل من الله لا تزرع ولا تسترزع لا تحتاج لبذر أو سقي أو تعب من الإنسان إلا في جمعها لذلك، وصفت بالمن وأنها شفاء للعين، فقد ذكرها إبن سينا إنطلاقا من هذا الحديث، فكان المسلمون يغلون ماءها ويبردونه ويكتحلون به ( يتقطرون بها)، وقامت دراسات حديثة لتحقيق هذا الحديث علميا فأثبتت فعلا أن ماءها يمنع حدوث التليف في حالات أمراض العيون المعروفة باسم (التراكوما) أو الرمد الحبيبي أو الالتهاب المزمن والمعدي الذي قد يؤدي إلى فقدان البصر
أما الحديث الثالث فيشير لحل أعطاه الرسول المعلم في حال وقوع الذباب على الشراب أو الطعام وكان من الضروري الاحتفاظ بهذا الطعام أو الشراب، حيث الحل يكمن في غمس الذبابة كلها لأنها تحمل في أحد جناحيها داءا وفي الآخر شفاء من الداء، فإذا وقعت الذبابة على شراب أو طعام تدفع بجناحها الذي فيه الداء كنوع من أنواع الدفاع عن ذاتها، وجناحها الأيمن هو الذي فيه شفاء بناء على ملاحظة الدارسين
فغمس الذبابة فيما وقعت عليه عامل من عوامل القضاء على الداء بإذن الله وقد امتعض الناس من إمكانية غمس الذبابة في الشراب أو الطعام ثم يتناوله الإنسان ونسي هؤلاء أن ذلك في حالات الضرورة القصوى، كأن لا يملك الإنسان إلا هذه الكأس من الماء أو غيره من الشراب وقد يوشك على الهلاك، فدرئا للخطرين: خطر الجوع والعطش أو خطر الهلاك مما انزل الباب من جراثيم على الطعام أو الشراب فإن الحديث أعطى الحل في هذه الحالة ومن لا تقبل نفسه ذلك فلا يوجد ما يضطره أو يجبره عليه، والحديث ثابت صحته من الناحية العلمية والتطبيقية
وعليه فإن إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث إلى أدوية فعالة جاءت من أجل صحة الإنسان وقد استعملت فعلا في ذلك العصر كدواء، الحبة السوداء كانت تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات للمزكوم، وكانت لا تستعمل مفردة فقط بل تستعمل مركبة أيضا أو مسحوقة أو غير مسحوقة، أكلا وشربا وضمادا، فكل داء تقديره يقبل العلاج بها، فتستعمل للرمد والورم وللشفاء من النفخ والحمى، مفتحة للسدد، مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء أذابت الحصاة وأدرت البو والضماد بها ينفع من الصداع وإذا طبخت بخل وتمضمض بها نفعت من وجع الأسنان...إلخ
وكذلك الأمر بالنسبة للكمأة أو كما سماها العرب بنات الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض وهي كثيرة بأرض العرب وتوجد بالشام ومصر وأجودها ما كانت أرضه رملة تحليلة الماء وفيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها لذلك كان ماؤها شفاء للعين أي شفاء من داء العين واختصت بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي يجلو البصر ليس في اكتسابه شبهة، فماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، فإنه يقوي الجفن ويزيد الروح الباصر حدة وقوة ويدفع عنها النوازل وقد كان استعمال ماء الكمأة لمن ذهب بصره اعتقادا في الحديث وتبركا به فينفعه الله به كما حدث مع الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي الذي عمي بصره فكحل عينه بماء الكمأة فشفي وعاد إليه بصره
كما يثبت الحديث اجتماع الشفاء والداء في جناحي الذباب مثل كثير من الحيوان الذي يجمع الصفات المتضادة التي جعل الله منها قوى الحيوان مثل اتخاذ النحلة بيتها العجيب الصنعة للتعسيل فيه وإلهام النحلة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، هو نفسه من ألهم الذبابة أن تقدم جناحا للداء وتؤخر أخر للدواء، مثل النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من تحتها فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه بما أودعه الله في الجناح الآخر من الشفاء فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله
خصوصية الأحاديث:
تختص هذه الأحاديث بكونها أدرجت كلها في كتاب الطب لصحيح البخاري الذي احتوى على 118 حديثا في هذا المجال، إلى جانب أنها أحاديث إرشادية طبية وقائية صحية هدفها الحفاظ على صحة الإنسان بصفة عامة، بتعليم أمور قد يكون فيها شفاء من مختلف الامراض أو وقاية منها
يمكن إدراج هذه الأحاديث ضمن المواضيع الصحية العلاجية والوقائية أيضا والتي تستهدف التخلص من مختلف الأمراض باستخدام وصفات معينة للشفاء
تستهدف الأحاديث الثلاثة توجيه انتباه الجمهور المستهدف إلى أهمية استخدام الدواء لتفادي الأمراض، من ذلك تناول الحبة السوداء كدواء لمختلف الأمراض والكمأة واستخدامها لتجنب أمراض العيون المختلفة والتي قد تؤدي إلى فقدان البصر، إلى جانب اقتراح حل –أثبت صحته علميا- في حالة وقوع الذباب داخل الطعام أو الشراب، مما يجعل من الأحاديث ذات أهمية صحية وطبية ووقائية هدفها الحفاظ على صحة الجمهور المستهدف علاجا ووقاية
تتوجه هذه الأحاديث إلى المسلمين عامة دون استثناء، إذ تعطيهم وصفات طبية وقائية في متناولهم،
فالأحاديث كشفت لهم أسرار مختلفة يكمن فيها الدواء، كالدواء الكامن في الحبة السوداء والكمأة والجناح الأيمن للذبابة الذي يقضي على جراثيم الجناح الأيسر لها، ولفتت انتباه المتلقي إلى ذلك حتى يعي أهميتها في علاج الداء
الصحية البارزة: القيم
القيمة البارزة في هذه الأحاديث هي قيمة الصحة البدنية باتخاذ الأسباب المؤدية لذلك عبر طلب الدواء، فكل داء دواء يجب أن يتحراه الإنسان المريض طلبا لعافية، فبنفس درجة حرص الرسالة المحمدية -عبر الأحاديث الشريفة – على قيمة الوقاية الصحية، عنيت أيضا بالطب العلاجي، فهذه الأحاديث الواردة في العينة نموذج لبعض الأدوية التي وصفها الرسول لبعض الأمراض وهو تقرير من الرسول لقيمة الجسم وحقه على صاحبه الواجب مداواته إذا مرض وحق الجسم في الإسلام لا يجب أن ينسى أو يهمل لحساب الحقوق الأخرى وكان منها حق الله عز وجل
فالله تعالى قدر الأسباب والمسببات وجعل من سننه في خلقه دفع قدر بقدر فيدفع قدر الجوع بقدر الغذاء وقدر العطش بقدر الشرب وقدر الداء بقدر الدواء وكل من الدافع والمدفوع قدر الله، و هدى رسوله أكمل هدي وسنته نور يقتدى بها فكان صلى الله عليه وسلم يتداوى ويأمر بالتداوي لمن أصابه المرض
الأسلوب المعتمد:
جاءت الأحاديث حاملة لأسلوبي الحث والتلقين حيث حثت الجمهور المستهدف على ضرورة اتخاذ أسباب الشفاء بالدواء، كما لقنت في نفس الوقت هذا الجمهور المستهدف أماكن وكيفية الحصول على مختلف الأدوية لمختلف الأمراض بالكشف عن بعض الأسرار العلاجية الطبية الكامنة في الحبة السوداء والكمأة وحتى في جناح الذباب الأيمن
قيمة الأحاديث الصحية الوقائية العلاجية والتعليمية:
جاءت هذه الأحاديث لتبين ضرورة اتخاذ أسباب الدواء للشفاء من مختلف الأمراض والتخلص من مختلف الميكروبات والجراثيم التي قد يتعرض لها الإنسان والمؤدية إلى مشاكل صحية مختلفة، ففيما يخص الحبة السوداء كدواء لمختلف الأمراض، قد أثبت علميا انها فعلا دواء لأمراض الجهاز التنفسي كالزكام والتهاب القصبة والشعب الهوائية وأمراض الجهاز ابولي وبعض الأمراض الجلدية وأمراض ارتفاع الضغط، والجهاز الهضمي والأمراض الفيروسية كالالتهاب الكبدي الوبائي وغيرها
إلى جانب كونها تحتوي على زيوت ثابتة بنسبة 33% وزيوت طيلرة بنسبة 1,5% حيث في زيوتها مادة فعالة تقوي جهاز المناعة سميت بالاسم العلمي لحبة البركة (Nigellone) حيث لها دور فعال في رفع القدرة الدفاعية لجهاز المناعة في جسم الإنسان وهي حقيقة لم تعرفها العلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين وسبق بل تأسيس المصطفى لهذه الحقيقة العلمية لا يمكن أن يكون لها مصدر إلا الوحي مما يؤكد صدق الرسالة واستمراريتها وعالميتها وصلاحيتها إلى يوم الدين
ويجمع أغلب الدكاترة أن استعمال الحبة السوداء بأي كمية من الكميات لا يضر وهذه ميزة من مزايا العلاج النبوي، أنه ليس له أعراض جانبية ولا مخلة ولو أنه يستعمل جراما في الصباح وجراما في المساء، فإن هذا القدر يغني وفيه النفع بإذن الله
أما الكمأة فقد أثبتت الدراسات والتجارب العلمية أن ماءها يقلل من حدرث التليف في قرنية العين بدرجة ملحوظة، وذلك بوقف نمو الخلايا المكونة له، وبمعادلة التأثير الكيميائي لسموم الالتهاب وبمنع النمو الغير طبيعي للخلايا الطلائية للملتحمة في العين، فمعظم مضاعفات التهاب الرمد الحبيبي تنتج عن تليف قرنية العين وماء الكمأة يشفيه وهو ما اخبر به الرسول المعلم منذ 1400 سنة مما يؤكد قيمة هذه الإشارات العلمية التأسيسية في الدعوة إلى دين الحق
أما حديث الذباب فقد أثبت عليما أنها مسببة للعديد من الامراض بما تحمله من فيروسات وميكروبات وجراثيم وفطريات وطفيليات دقيقة كما أثبت وجود عوامل مضادة لنمو تلك الكائنات الحية المجهرية على أجزاء أخرى من نفس جسم الذبابة تظهر عند غمس الذبابة في السوائل التي تقع عليها، مما يقلل عدد الجراثيم التي تقع علبها مما يؤكد صدقه صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديث وسيلة من وسائل استنقاذ الشراب أو الطعام في ساعات الضرورة ويبقى حجة على أهل عصرنا من المسلمين وغير المسلمين حجة شاهدة لصلاحية واستمرار الرسالة التي أنكرها الكثير في زمانه واليوم وإلى قيام الساعة رغم وضوح الحجة وكثرة الأدلة
لقد أقسم الله تعالى أن هناك أشياء مهمة لا نبصرها ولا نعرفها وأقسم بأهميتها وذلك توجيه إلى عالم لا يرى بالعين المجردة، منه ما أشار إليه الرسول إشارة دقيقة في الحديث الصحيح عن الذباب مثلا، فمن رأى الداء؟ ومن رأى الدواء؟، لكن الرسول يقول أنه موجود لا يشاهد لكنه داء ومر لا يرى، فلما اكتشفت البكتريا والفيروسات والأمراض تقدم العلم وقال نعم الذباب عدو يحمل وينقل الأمراض لكن بقي بعض الجهلة بهذا الأمر يسخرون من النصف الآخر من الحديث الخاص بالغمس لكن صاحب همة عالية اجتهد بجمع هذه الاحاديث وتوجه إليها علميا وهو الدكتور وجيه باعشري الذي أجرى تجارب على الذباب بحضور الزنداني وأكدت تنائج التجارب أن الغمس فعلا يقضي على الجراثيم أي في الذباب داء ودواء يقضي على ذلك الداء فسبحان خالقه ومعلم رسوله مالم نكن نعلم
وبعد ثبوت التجربة وتنائجها، تقدم باحثون كم كندا وألمانيا وبريطانيا ليتبينوا ماهي المادة الموجودة في الذباب التي تقتل أو تتصدى للأذى، وبذلك يكون الرسول قد أسس لعلم خاص بكائنات دقيقة، منوها بخطورتها وضررها على صحة الإنسان حيث الدراسات الحديثة لا تثبت إلا صحة الرسالة وصدق رسولها عليه الصلاة وأزكى التسليم
نصوص أحاديث:
رقية النبي :
عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لاطيرة، وخيرها الفأل" قالوا وما الفأل؟ قال: " الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم"
عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن" "
تشترك هذه الأحاديث في وظيفة إعلامية توجيهية صحية نفسية، حيث توجه إلى ضرورة العناية بنفسية المريض وعلاجها من الحزن والهموم تماما كما يهتم بعلاج الأمراض العضوية، فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة البدنية، وهذا ماحملته هذه الأحاديث من توجيه
يركز الحديث الأول على أهمية طلب الشفاء من الله تعالى خالق الإنسان ومنزل الدواء والتوكل عليه واليقين بأنه هو الشافي وإن تعددت الأسباب، وهو شعور مفيد لمعنويات المريض وصحته النفسية، فقد ثبت عن الرسول الرقية من كل الآلام وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم ، أما الحديث الثاني فيركز على استحباب الرسول للكلمة الصالحة والفأل الحسن واستنكاره للتشاؤم والفأل السيء والذي ورد في الحديث بالطيرة وهي التشاؤم وهو مصدر تطير مثل تحير حيرة و اصل التطير أنهم في الجاهلية كانوا يعتمدون على الطير فإذا خرج احدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمينه تيمن به واستمر وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، فكان الرسول يعجبه الفأل المتمثلة في الكلمة الصالحة وهي إطماع للسامع في الاستماع والقبول فهو طريق حسن الظن بالله
كما يركز الحديث الثاني على طريقة علمية فعالة في العلاج النفسي خاصة للمكتئب الحزين وهي تناوله للتلبينة وهي حساء يحتوي على اللبن والشعير المطحون بنخالته، مطبوختان معا يشبهان اللبن الحليب، لذلك سيمت بالتلبينة، ولفظة مجمة مستمدة من الاجمام وهو الراحة أي أنها مريحة لفؤاد المريض الحزين أي مفرحة بما تحتويه من خصائص تؤثر على الخلايا العصبية لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو كل محزون لتناولها مع العسل لأنها تريح الفؤاد وتزيل عنه الهم وتنشطه فيكون أدعى لنشاطه وسميت بالتلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها ولمخالفة اللبن لها لذلك كثر نفعها
خصوصية الأحاديث:
تختص هذه الأحاديث بالجانب الصحي النفسي للجمهور المستهدف، فكما أن الأحاديث الواردة جاءت ذات بعد صحي نفسي اجتماعي وأحيانا ببعد صحي وقائي وتارة ببعد صحي طبي فإن هذه الأحاديث تؤكد اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالبعد الصحي النفسي للإنسان، إذ لا يقل أهميته عند الرسول عن البعد الصحي الطبي الوقائي والاجتماعي لماله من آثار إيجابية على صحة الإنسان وعافيته إذا اعتني به
جاءت الأحاديث مندمجة في إطار المواضيع الصحية الوقائية النفسية من حيث ركزت على سلامة الجانب النفسي للإنسان لاكتمال صحته وعافيته البدنية والنفسية معا إذ تنعكس هذه الأخيرة على السلامة والعافية البدنية أيضا
تستهدف هذه الأحاديث إلى الحرص على الراحة النفسية للجمهور المستهدف من خلال بعض الأمور التي تجعله يحس بطمأنينة نفسية وهي مختلفة في الأحاديث،
ففي الحديث الأول يدعوا الرسول إلى الراحة النفسية من خلال الدعاء والتضرع إلى الله الخالق من أجل الشفاء وفيها توكل على الله بالتالي الطمأنينة، وفي الحديث الثاني دعوة إلى الطمأنينة النفسية من خلال الفأل الحسن بالكلمة الصالحة الطيبة التي تبعث على السرور وفي الحديث الثالث دعوة علمية إلى الطمأنينة والراحة النفسية وراحة القلب من خلال تناول حساء التلبينة وهي وصفة نبوية تبعث الفرح والراحة في القلب
يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عامة إلى ضرورة الحفاظ على معنويات مرتفعة ونفسية مرتاحة مطمئنة وقلب مسرور، لأن في ذلك انعكاس على الصحة البدنية والعافية، بالتالي انعكاس على الأداء والحياة بصفة عامة، فالمسلم مدعو لأن يكون قويا على جميع الأصعدة بدنيا ونفسيا أيضا على حد السواء
القيم الصحية البارزة:
القيمة البارزة في هذه الأحاديث هي قيمة الصحة النفسية التي تثبت هذه الأحاديث مرة أخرى وتؤكد عناية الرسول بها عناية فائقة لما لديها من تأثير على صحة الإنسان البدنية، فقوة النفس تؤثر على قوة البدن والعكس صحيح لذلك اعطى الرسول في هذه الأحاديث وصفات مادية ومعنوية تعطي الطاقة والقوة للصحة النفسية حرصا منه على أن يكون المؤمن دائما أقوى الناس روحا وأصحهم نفسا وطمأنينة ورضا وأملا وحبا وأنسا وهي كلها مؤثرات الصحة النفسية والروحية للإنسان، فأحاديثه صلى الله عليه وسلم منظومة تربوية صحية علمية تطبيقية في ممارساته هو بمثابة دواء نفسي يشعره بالأمل والرضى وراحة البال والسكينة والطمأنينة التي يمكن أن ينفق عليها ملايين الأموال دون التمكن من الشعور بها، لكن القرب من الخالق واستشعار الراحة والرضى والطمأنينة بقربه يعطي للإنسان المسلم المؤمن أمنا وراحة نفسية لها آثار وقائية لمختلف الأمراض النفسية بل وحتى البدنية فالتقرب من الله والدعاء له وسيلة وأسلوب لاستلهام القوة والطاقة من خالق هذه النفس مما يزيد من قو تها وصلابتها أمام الآفات والمشاكل ويعطيها الراحة والطمأنينة النفسية
لقد أثبتت الدراسات الحديثة ومنها ما أقيم بجامعة البرتا بكندا من قبل الباحثة (Zenia Hawagsh) هاوريش، أن الشعير (وهو المكون الأساسي لحساء التلبينة) يحتوي على عدد من المركبات الكيميائية التي تساعد على خفض نسبة الكولسترول في الدم والمواد الضابطة لضغط الدم والمانعة للاضطراب النفسي
أهم هذه المركبات البوتاسيوم، المغنسيوم، الكالسيوم، والفوسفور والحديد والنحاس والزنك والمضادات للعوامل المؤكسدة في جسم الإنسان، حيث نقص هذه العناصر والمركبات عن معدلاتها في جسم الإنسان يجعله سريع الغضب وشديد الإنفعال ويملأ قلبه بالاكتئاب والحزن فضلا عن اصابته بالأمراض والعلل
كما أثبتت الدراسات الحديثة أن لهذه المركبات الكيميائية منفردة ومجتمعة تأثيرا إيجابيا على الخلايا العصبية مما يعين على التخفيف من حالات الاكتئاب والميل إلى الرضا والانشراح والطمأنينة والتعبير الطبي (تخفيف حالات الاكتئاب) يطابق لما جاء به الرسول في قوله "يذهب الحزن" وحالات الاكتئاب تشخص اليوم بالخلل الكيميائي في جسم الإنسان وعلاجه أساسا بالغذاء المعالج لهذا الخلل مثل حساء الشعير الغني بالمواد النافعة في مثل تلك الحالات، فلو لم تكن الرسالة تستهدف البشرية جمعاء في كل مكان وزمان كحكمة الله تعالى أن يعلم رسوله هذه الحقائق كلها ويخوض في هذه القضايا في زمانه ويشيعها بين الناس لينتفعوا بها في أحوال أمراضهم واكتئابهم ولتبقى أقواله وأحاديثه شاهدة بصدق الرسالة ومعاصرتها في عصر العلم والتقنية التي أثبتت من خلال الدراسات الحديثة فائدة الشعير في علاج الأمراض البدنية والنفسية
الأسلوب المعتمد:
جاءت الأحاديث بأسلوب توجيهي دعوي، يوجه إلى ضرورة اللجوء والاستعانة بالله التوكل عليه للشفاء والراحة النفسية إلى جانب التوجيه إلى استخدام التلبينة في حالة الحزن والكآبة بالإضافة إلى أسلوب النهي عن التطير والتشاؤم والدعوة إلى التفاؤل بالكلمة الصالحة التي تدخل السرور والايجابية للنفس
قيمة الأحاديث الصحية الوقائية العلاجية النفسية:
تندرج الأحاديث في إطار البعد الصحي النفسي إذ تعنى بالصحة النفسية عناية فائقة لا تقل أهميتها عن عنايتها بالصحة البدنية، فالإسلام يرى الإنسان بالنفس إنسانا لا بالجسم، وبلا شك أن هناك تبادلا في التأثير بين الناحية النفسية والجسمية لذلك ركز الرسول في احاديثه وحرص على أن تكون معنويات المسلمين مرنفعة ونفسياتهم سوية فصحة النفس تنعكس على صحة البدن وقديما قالوا: العقل السليم في الجسم السليم لما لهما من تأثير متبادل للايجابية
إن دعوة المسلمين باللجوء إلى الله تعالى في حالة المرض –بالإضافة إلى إتخاذ أسباب الشفاء- هو علاج نفسي للمريض حتى يعلم أن هناك خالقا مدبرا وأنه بين يديه بإمكانه شفاؤه متى شاء وهو مبعث الطمأنينة التي تنعكس على نفسية المريض بالتالي على جسده، والسيرة النبوية نموذج يبين مدى قوة النفس والروح وأثرها على قوة البدن سواء في بناء المسجد الحرام كمثال رغم تقدم سنه، لذلك دعى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الفأل الحسن وتجنب الفأل السيئ بالكلمة الصالحة المتبادلة بين الناس وحسن الظن بالله لما لها من تأثير على الروح والنفس والبدن كذلك، والمؤمن أقوى الناس روحا وأصحهم نفسا بإيمانه الباعث على الطمأنينة والرضى والأمل والحب والأنس وطهر النفس من أدران الأحقاد والغل والحسد والبغض وأمراض القلوب وهي كلها أمراض تأكل الصحة النفسية للإنسان وأعصابه
وقد أعطى بالإضافة إلى هذا كله وصفة طبية علمية لمن يشعر بالحزن والكآبة نتيجة مصيبة أو موت والمتمثلة في حساء التلبينة الرقيق المصنوع من اللبن والشعير الذي يذهب الحزن بالإضافة إلى ما للبن من تركيبات، أثبتت الدراسات العلمية أن لا يوجد في الأغذية ما يضاهيه
وبصفة عامة الأحاديث كلها تدعوا للتحلي بالروح الإيجابية البناءة التي يجب أن تسيطر على المسلم وتوجه شعوره وتفكيره، فتهتم بالعمل لا الكلام وبالبناء لا الهدم، بإضاءة الشموع لا لعن الظلام، فتوجيه الرسول يبعد عن السلبية لأن كل ماهو سلبي لا يقدم للحياة شيئا، فالتوكل على الله مع اتخاذ الأسباب عمل إيجابي وذكره والاستعانة به أيضا والعكس العمل السلبي لا يحل مشكلة ولا يقدم إنجازا
إنها مبادئ خالدة أراد بها الرسول صلى الله عليه وسلم إرساء القواعد النفسية للمسلم وحرص على تثبيتها من خلال أحاديثه وأفعاله كونه قدوة يحتذى بها وهي جديرة إذا روعيت وطبقت أن تنشأ أجيالا من الأصحاء الأقوياء نفسيا وبدنيا لا يتنصر الدين ولا ترقى الدنيا إلا بهم.
خلاصة
لقد تبين من الأحاديث النبوية الصحيحة -عينة الدراسة- اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالبعد الاستراتيجي الصحي الوقائي العلاجي والنفسي وحتى الاجتماعي والاقتصادي، في رسالته المحمدية الموجهة للبشرية جمعاء كرسالة عالمية لمتلقي عالمي هدفها خير البشرية جمعاء، بالحرص على صحته وقاية وعلاجا وحتى نفسيا على وجه الخصوص حيث حرم من خلالها كل ما يمكن أن يتناوله أو يفعله المسلم فيضره ويؤذيه عاجلا أو آجلا في بدنه أو نفسه أوحتى من حوله- باعتبار لاضرر ولا ضرار-،سواء كان ذلك مما يؤكل أو يشرب أو يشم أو يتناوله أو يقتضيه ويخالفه بأي وجه، وقد يدخل ضمن ذلك ما يعرف حديثا بالحقن ونحوه وكل ما يضر في جسم وقوة المسلم فهو حرام ومنهي عنه، لأن صحة الإنسان وديعة من الله لذلك كان كل ضار ممنوعا في دين الإسلام ويدخل في هذا الإطار تحريم التدخين وأي عادة أو سلوك ضار بالإنسان ومن حوله، خاصة بعدما أثبتته الدراسات من مختلف الأضرار التي يمكن أن يتسبب فيها عدم الوعي الصحي وعدم التحلي بالمسؤولية بتبني السلوكات الخاطئة التي قد تكون وخيمة على صحة الإنسان كانتحار بطيء.
وقد تبين جليا من خلال هذه الأحاديث (النماذج) أن معلم البشرية قد أسس لهذا الجانب من العلم، فلقد كان له السبق العلمي التأسيسي قطع به لكل ذي بصيرة صدق نبوته ورسالته وصدق الوحي الذي تلقاه من ربه وصلاحية الرسالة إلى أن يرث الله الأرض من عليها، بل إن الرسالة تحتاج لمن يمحصها ليكتشف الكثير من العلوم في جميع المجالات، فحكمة الله أن تعهد بحفظ آخر رسالاته لهداية البشرية فحفظت على مدى 14 قرنا أو يزيد بنفس لغة وحيها حفظا كاملا في حين ضاعت كل الرسالات السابقة وقد فاق عددها 300 رسالة لكي تبقى الرسالة الخاتمة شاهدة على جميع الخلق إلى قيام الساعة
فلو كان دينا آخر لاندثر بفعل الدسائس والمؤامرات والانتقادات والترسانة التكنولوجية التي تحاك ضده، لكنه الإسلام الساطع والحقيقة التي لا يمكن حجبها وما صموده أمام كل هذه الترسانة المضادة واستمراره كالقطار إلى الأمام إلا دليل على أنه دين الحق مؤيد من قبل الحق تعالى
إن كل ما ورد في هذه الأحاديث ذات البعد الصحي وما تحمله من أوامر ونواهي وتحريم لطعام أو شراب أو سلوك خاطئ، إنما تحريمه رحمة للناس ومنة منه صلى الله عليه وسلم وهداية لإنقاذ البشرية مما يضرها، فحرم الاضرار بالنفس وبالغير بالسلوكات غير المسؤولة صحيا و اجتماعيا كما حرم تناول ما يضر بالصحة وقاية من الأذى للنفس والمجتمع كتحريم لحم الخنزير والميتة والدم والمنخنقة والموقوذة وما أكل السبع و تحريم المسكرات والمخدرات والخمور وكل ما يضر. والمتأمل و في خصائصها والمتفكر فيها وفي دقائقها لوجد أن في هذا التحريم رحمة بالناس وفضل من الله ورسوله على العباد، فهو تحريم لوقاية الناس وحمايتهم من أخطار الآفات والأمراض المهلكة لهم وللمجتمع
كما ركز الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ذات البعد الصحي على الطهارة والنظافة كأول مبدأ وأساس للصحة وخصص لها أحاديث كثيرة مما يدل على أهميتها، فطالب من خلالها بطهارة المسلم وطهارة مأكله ومشربه ومكانه وملابسه من جميع الملوثات والنجاسات والأقذار ومن كل المحرمات من مأكولات ومشروبات ومسكرات ومخدرات ومفترات، ومفهوم الطهارة في الإسلام يتسع ليشمل النفس، فطهارة النفس تكون بتخليصها من السلوكات المضرة بها وبالمجتمع المؤدية إلى ضياعه، لذلك اشترطت العبادة والتقرب إلى الله الط هارة كشطر مهم للإيمان، فالمؤمن لا يكون إلا طاهرا ونظيفا وما تركيزه صلى الله عليه وسلم على الطهارة والأمور الصحية التي تليها إلا دليل على سبقه العلمي والصحي والطبي والنفسي والوقائي المبهر، حيث لم يضع الضوابط الكاملة لعلم من العلوم المستحدثة والتي تعرف اليوم بالصحة العامة أو علم الصحة والعافية بل أسس لها وكان أصلها ومنبعها الصافي الذي لا ينطق عن الهوى مما يشهد له ذوو العقول أنها الرسالة الخالدة والحضارية.
لقد سعت هذه الدراسة إلى أن تلفت النظر لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمنة للإعجاز العلمي في شقه الصحي الوقائي وأن يكون قائدنا ومعلمنا الأسوة الحسنة التي نقتفيها في الحياة ولاسيما في مجال تخصصنا وكذلك نصرة لنبينا ورسولنا بالحق وبالعلم والحجة والبرهان...
ومهما اجتهدنا لإيفاء الموضوع حقه سنكون حتما مقصرين فشأن نبينا وقائدنا صلى الله عليه وسلم عظيم والإبانة عنه وعن علمه وعن إعجاز أحاديثه يحتاج إلى عقل ورؤية أدق وذكاء أنفذ وحسبنا أن الدافع حبنا ونصرتنا له لعله يكون شفيعنا صلى الله عليه وسلم عدد ماذكره الذاكرون وتعداد حبات الرمال وأكثرا .
فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
المصادر والمراجع:
المصادر :
البخاري ابي عبد الله محمد بن اسماعيل: صحيح البخاري، دار الكتاب العربي،بيروت،2005
ابن هشام محمد عبد الملك: السيرة النبوية،الكتبة التوفيقية،القاهرة،2003
الترميذي عيسى محمد بن عيسى بن صورى: الشمائل المحمدية والخصائص المصطفوية، مكتبة مصطفى الباز،الرياض،2003
العسقلاني أحمد بن علي بن حجر:فتح الباري شرح صحيح البخاري، المكتبة العصرية،بيروت،2009
المراجع:
عمارة محمد: الاسلام في مواجهة التحديات، نهضة مصر،القاهرة،2009
عميرات أمال: البعد الإتصالي القيمي في السنة النبوية، كنوز الحكمة، الجزائر2018
عميرات آمال: الاتصال الاجتماعي العمومي وأبعاده في منهج الرسالة المحمدية، دار أسامة،عمان،2014
الزنداني عبد المجيد: دينكم دين الحق، مكتبة القرآن، القاهرة،1993
الزنداني عبد المجيد: العلم طريق الايمان، مكتبة ساعي للنشر،الرياض1991
الزنداني عبد المجيد: وغدا عصر الايمان، مكتبة القرآن،القاهرة،1999
الزنداني عبد المجيد: الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مكتبة القرآن، القاهرة،1999
الزنداني عبد المجيد: آيات الله في الآفاق ، مكتبة القرآن ، القاهرة، 1993
الزنداني عبد المجيد: الإسلام أو الضياع، مكتبة القرآن،القاهرة،1993
العبادي عبد الله عبد الرحيم : التنمية بالفهوم الشامل في الإسلام، المكتبة العصرية،بيروت،2008
،دار الشروق،القاهرة،2005 القرضاوي يوسف: السنة مصدر للمعرفة والحضارة
القرضاوي يوسف: رعاية البيئة في شريعة الإسلام ، ط2 ، دار الشروق ، القاهرة ، 2006
النجار زغلول: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، ط3، نهضة مصر، القاهرة، 2009
النجارزغلول: رسالتي إلى الأمة، دار النهضة،القاهرة، 2009
النجارزغلول: رسالتي إلى الأمة




Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire