تحديات
استخدامات تكنولوجيات الاعلام والاتصال
د/ أ .عميرات
على الرغم من ايجابيات هذا الاتصال والحاجات النفسية التي يشبعها في مجالات متعددة إلا أن هناك أبعادا اجتماعية ونفسية وثقافية متباينة القوة والخطورة من أهمها
مشكلة العزلة النفسية والاجتماعية التي ظهرت من خلال 3 مظاهر هي
انتشار القلق والتوتر والإحباط *
تدمر أسر الشباب المتعاملين مع هذه التكنولوجيا *
*زعزعة علاقات الشباب الاجتماعية بعائلاتهم
*ومن النتائج المهمة أن الأسر التي تربطها علاقات قوية دافئة وديموقراطية لم تظهر عليهم علاقات الإدمان على الانترنت
*الفئة التي تشعر بزيف العلاقات عبر هذه الاتصالات الالكترونية هي الفئة الغير متضررة منها والعكس صحيح
...........*كذلك الصدمة النفسية بسبب الخذلان والإحباط
*الاغتراب وهو تفضيل العيش في المجتمع الحقيقي
*اختراق الوعي والهوية الوطنية والثقافة للسيطرة على الإدراك وتوجيهه بالتالي سلب الوعي والهيمنة
*وهذا ما يؤدي إلى إخضاع النفوذ وتعطيل فاعلية العقل والتشويش على نظام القيم وتوجيه الخيال وإبعاد المستخدمين عن الواقع وكذا تنميط الذوق
*قولبة السلوك
وكل هذا عبارة عن أسباب ونتائج
هل الأثر هو سبب المشكل أم أن السبب هي كل هذه المشكلات مجتمعة؟
لا يوجد إجابة حاسمة وقطعية لأن العلاقة أعقد من أن تكون علاقة سبب ونتيجة ...لأن الظواهر الاجتماعية والثقافية ظواهر معقدة لا يمكن تفسيرها بعامل واحد لذلك من الغريب مراقبة مختلف المؤسسات المسئولة ...من مرحلة الطفولة
وكذا ضرورة فتح قنوات اتصال بين هذه المؤسسات وبين المستخدمين
الاستماع لفئة الأطفال والشباب
تشجيع التحاور والتفاعل وتجنب الاملاءات ..والتشدد في التعامل
وأهم شيء أن تكون الأسرة جماعة مرجعية خاصة في الجانب الثقافي والاجتماعي ..في لا يبحث الأبناء عن البديل ويهجروا الأسرة ويقعوا في فخ متعة الاستهلاك والفردية والسطحية
فهل يمتلك المجتمع قيما ثقافية بديلة عن قيم الانترنت تشبع فضولهم المعرفي والثقافي؟
فالخلل ليس في سوء الوسيلة لكن الخلل في سوء الاستخدام
التربية الإعلامية والرقمية
أصبحت تكنولوجيا الإعلام والاتصال بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي هي الموجه الأكبر والسلطة المؤثرة على القيم والمعتقدات والتوجهات والممارسات في مختلف الجوانب اقتصاديا ثقافيا واجتماعيا لذلك أصبحت التربية الإعلامية جزءا من الحقوق الأساسية لكل مواطن في كل بلد من بلدان العالم وأصبح من الضروري إدراجها ضمن المناهج التربوية الوطنية وأنظمة التعليم غير الرسمية لأجل إكساب هؤلاء المستخدمين لهذه المواقع الالكترونية مهارة التعامل معها ليس فقط من أجل حمايتهم بل من أجل إعدادهم لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم وتحسين انتقائهم واختيارهم لمضامين هذه المواقع وتعليمهم كيفية التعامل معها والمشاركة فيها بصورة ايجابية وفعالة خاصة أن الواقع الجديد لعصر المعلومات أنتج صورة المواطن الرقمي أو الفرد الإنترنتي أو الإنس واب وهو الكائن البشري الذي يشارك كائنا بشريا آخر علاقة رقمية عبر الحاسوب تكون اجتماعية سياسية واقتصادية...وهي ليست إنسانية بالمطلق
فمن هو هذا المواطن الرقمي وكيف يمكنه التعامل بمهارة مع هذه التكنولوجيا الرقمية المرتبطة بالتربية الإعلامية الرقمية ؟
لقد ظلت الأسرة ثم المدرسة المصدر الأول للمعرفة حتى بدايات القرن العشرين، وأصبح المعلمون بمثابة المصادر الرئيسة لتوزيع المعرفة، وظل المجتمع يعتمد على المدرسة كمصدر للتربية باعتبارها المصدر الأول للمعرفة ، وأصبح المعلمون هم المصادر الرئيسة لتوزيع المعرفة
كما أحكم الإعلام سيطرته على المجتمع، مسلياً مربياً معلماً موجهاً شاغلاً مشغلاً، يظهر كل يوم بوجه جديد، وفي كل فترة بأسلوب مبتكر، وفي كل مرحلة بتقنية مدهشة، متجاوزاً حدود الزمان والمكان، مما جعل التربية بوسائلها المحدودة، وتطورها التدريجي تفقد سيطرتها على أرضيتها، وأصبح الإعلام يملك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، وتربية الصغار والكبار معلنا سيطرته على المجتمعات.مما جعل من هذه التربية الإعلامية ضرورة ملحة في عصر تكنولوجيات الإعلام والاتصال وأكثر من أي وقت مضى نظرا للتطور المتسارع لهذه التكنولوجيات بمختلف مواقعها وكثافة الاستخدام وانعكاساته على الفرد والمجتمع والعلاقات الاجتماعية بل والإنسانية
فهي اتجاه عالمي جديد يعلم أفراد الجمهور المتلقي والمستخدمين مهارة التعامل مع مختلف وسائل وتكنولوجيات الاعلام والاتصال لأن وسائل الاعلام والاتصال أصبحت هي الموجه الأكبر ولأنها السلطة المؤثرة على القيم والمعتقدات والتوجهات اقتصاديا، ثقافيا، واجتماعيا
لذلك قررت اليونيسكو تدعيم التربية الإعلامية عالميا فدعمت الكثير من الأنشطة والفعاليات في هذا المجال وتشير المنظمة إلى أن " التربية الإعلامية جزء من الأساسية لكل مواطن في كل بلد من العالم، حيث توصي بضرورة إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج التربوية الوطنية وضمن أنظمة التعليم الرسمية وضمن أنظمة التعليم والتكوين مدى الحياة
فالتربية الإعلامية ليست مشروع دفاع يهدف إلى الحماية فحسب، بل هي مشروع تمكين أيضا يهدف إلى إعداد الأفراد
مراحل تطور مفهوم التربية الإعلامية
ظهر مفهوم التربية الإعلامية في العالم في أواخر الستينات الميلادية، حيث ركز الخبراء على إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة " كوسيلة تعليمية".
بحلول السبعينات الميلادية بدأ المنظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام، وأنها " مشروع دفاع" يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل " المزيفة" و"القيم" غير الملائمة وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها
في السنوات الأخيرة، تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد " مشروع دفاع" فحسب، بل " مشروع تمكين" أيضا، يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة
للتربية الإعلامية تعريفات متعددة، ذات مضمون متشابه، ورؤية واحدة إجمالا، ولذلك سنختار أفضل هذه التعريفات وأكثرها شمولا، وهو تعريف التربية الإعلامية حسب توصيات مؤتمر فيينا عام 1999م، الذي عقد تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونسكو"، وشارك فيه 41 خبيرا من 33 بلدا حول العالم، حيث تم تعريف التربية الإعلامية بما يأتي
تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي، وتشمل الكلمات، والرسوم المطبوعة، والصوت، والصور، والصور الساكنة والمتحركة ، التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات
تمكن أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم وسائل الإعلام الاتصالية التي تستخدم في مجتمعهم، والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل، ومن ثم تمكنهم من اكتساب المهارات في استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين
التحليل وتكوين الآراء الانتقادية حول المواد الإعلامية، وإنتاج الإعلام الخاص بهم
فهم وتفسير الرسائل والقيم التي تقدم من خلال الإعلام
الوصول إلى الإعلام، أو المطالبة بالوصول غليه، بهدف التلقي أو الإنتاج
اختيار وسائل الإعلام المناسبة التي تمكن الشباب الصغار من توصيل رسائلهم الإعلامية أو قصصهم، وتمكينهم من الوصول إلى الجمهور المستهدف
أهمية التربية الإعلامية
أول مؤشر على أهمية التربية الإعلامية أن اعتمادها كمقرر للتدريس هو التوصية الأولى للمؤتمر الدولي للتربية الإعلامية الذي عقد في الرياض عام 1428 ه، برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه
التربية الإعلامية، جزء من الحقوق الأساسية لكل مواطن في كل بلد في بلدان العالم، هكذا ترى منظمة اليونسكو أهمية التربية الإعلامية بسبب سلطة الإعلام المؤثرة في العالم المعاصر
قبل ثلاثين عاما لم تكن هناك مشكلة ملحة في التعامل مع الإعلام، لأنه كان إعلاما محليا محدود التأثير، باستثناء بعض الإذاعات العالمية، أما اليوم في عصر ثورة الإعلام والمعلومات والاتصالات فإن الأمر مختلف، وأصبحت الحاجة إلى الوعي الإعلامي شيئا مهما وعاجلا وملحا وضروريا..إلخ
بدون الوعي الإعلامي سينشأ كثير من أبنائنا وهم معصوبي الأعين، في عالم تتجاذبه الصراعات والأهواء والمصالح ولا يرحم الضعفاء
هناك أشياء كثيرة لا يضر الجهل بها... والوعي الإعلامي ليس واحدا منها
نحن نتحدث كثيرا عن أهمية الوعي الإعلامي، ولكن كيف نزرعه في أبنائنا ونجعلهم يكتسبون هذه المهارة، إنها ببساطة التربية الإعلامية
إن الوعي الإعلامي مهارة ترافق أبنانا طوال حياتهم، وليست مادة دراسية ينساها الطالب بمجرد انتهاء الامتحان، أو عندما يختار تخصصا علميا في مجال بعيد عنها
أما على المستوى المحلي فإن التربية الإعلامية تعد عاملا فعالا في نشر "ثقافة الحور" في المجتمع، وتساعد المتعلم أن يكون ايجابيا، يشارك بفعالية في تنمية مجتمعه وتقدمه وبنائه.
مميزات التربية الإعلامية
تعزيز الدافعية للتعلم
تتمتع التربية الإعلامية بخصائص تعزز الدافعية للتعلم، وذلك بسبب خصوصية موضوعها ومجالها، فهي تبحث في شيء محسوس يتصل مباشرة بحياة المتعلم اليومية، فيكون أدعى لإثارة انتباهه وتحفيزه لاكتشاف هذا المجال ومعرفة أسراره
واقعية هذا المجال والحاجة إليه
إن التعامل مع الإعلام يستغرق جزءا كبيرا من حياة الانسان في العالم المعاصر، ويرافقه طوال حياته، وهذا يثير لدى المتعلم الشعور بأهمية امتلاكه لمهارة التعامل مع الإعلام من خلال التربية الإعلامية
وضوح نتائج التعلم
إن وضوح نتائج التعلم بشكل بارز على شخصية المتعلم في الحياة اليومية وزيد الدافعية وبذل الجهد، لأن الوعي الإعلامي يمكن بسهولة أن يلاحظ على شخصية الإنسان في الحياة اليومية،
خلاف قدرته على حل أعقد مسائل الرياضيات على سبيل المثال
أهدافها السياسية والاجتماعية والتجارية والثقافية
التحليل وتكوين الآراء حول المواد الإعلامية، وإنتاج الإعلام الخاص بهم
فهم وتفسير الرسائل والقيم التي تقدم من خلال الإعلام
الوصول إلى مصادر الإعلام، أو المطالبة بالوصول إليها، بهدف التلقي أو الإنتاج
اختيار وسائل الإعلام المناسبة التي تمكن الجمهور ولاسيما فئة الشباب من توصيل رسائلهم الإعلامية أو قصصهم،أو انشغالاتهم
تختلف دول العالم في تعاطيها مع التربية الإعلامية حسب موقعها فهناك دول متقدمة في هذا المجال فيها رسوخ ونظامية في التربية الإعلامية، حيث وضعت أسس التربية الإعلامية وموجهاتها العامة ومناهجها، وأعدت المعلمين ودربتهم، ووفرت المصادر التربوية لتعليم التربية الإعلامية، مثل كندا، وأغلب دول أوروبا وهناك دول فيها تربية إعلامية مدرسية، لكنها غير منتظمة وغير مكتملة مثل إيطاليا وإيرلندا
كما أن هناك دول ما تــزال التربيـــة الإعلاميـــة بهـا في مـرتبــة التعـليم غير الـمدرسي، حيث تقدم في برامج الشباب، والجماعات النسائية، ودور العبادة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول العالم الثالث
أما الدول العربية فإن لبنان تقوم بتدريس الطلاب خمس حصص بعنوان ( التربية الإعلامية ) ضمن مادة التربية الوطنية والتنشئة الاجتماعية في الصف الأول المتوسط، كما تقدم لطلاب الصف الثالث الثانوي أربع حصص ضمن المادة نفسها بعنوان الإعلام والرأي العام
أما عن الأسس التي يجب اعتمادها من قبل القائم بالاتصال في إطار التربية الإعلامية فتتمثل في
العلمية: باختيار الموضوعات لتكون تطبيقاً علمياً لأسس التربية الإعلامية ومقوماتها، كما قررتها المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال
الواقعية: بانتقاء الموضوعات ومعالجتها بنظرة واقعية تطبيقية، اعتمادا على آخر المستجدات في ثورة الإعلام والاتصال، وبالتالي فهي بحاجة إلى التجديد خلال سنتين على الأكثر
التوازن: بمعالجة الموضوعات بطريقة متوازنة تذكر الإيجابيات والسلبيات
الإيجابية: حيث المنطلق الأساسي هو أن يكون الجميع جزء من الحل
بدلاً من أن يشكلوا الجزء من (المشكلة).وذلك بتمكين المتلقي من الأدوات اللازمة والمهارات المطلوبة لصناعة الشخصية الواعية إعلامياً، ذات المساهمة الإيجابية في ثورة الإعلام والاتصال، وزرع الإحساس بالمسؤولية لدى أبناء المجتمع تجاه هذا الموضوع
إن التربية الإعلامية تعني: إعداد الإعلاميين لأداء العملية التربوية، إذ لا يكفي أن يتقن الإعلاميون مهارات العمل الإعلامي، دون أن تتسق مع قيم وأهداف المجتمع، المعلنة في سياسته المكتوبة، وتحقق المشاركة بينهم وبين التربويين، لاسيما في هذا الزمن، الذي بدأت فيه الانحرافات الفكرية داخليا وخارجيا، وما نجم عنها من اضطرابات، تحاول أن تخل بوظائف المؤسسات الإعلامية والتربوية، في تأمين حاجات الأفراد مثل: الحاجة إلى الأمن الاجتماعي، الحاجة إلى سلوك تربوي رشيد، والحاجة إلى إعلام متوازن. وتعتمد التربية الإعلامية على المتخرجين من اختصاص الإعلام، بعد أن يعدوا من خلال برامج متخصصة في التربية والإعلام تأخذ بعين الاعتبار الأسس التربوية التالية
ترسيخ الهوية وتأصيلها، وذلك عبر برامج هادفةٍ في هذا السياق تركز على الهويّة الأصيلة للأمّة تربط بين ماضيها، وواقعها ومستقبلها المنشود
المحافظة على قيم المجتمع الأصيلة، وعاداته الإيجابيّة، فهناك قيمٌ أصيلةٌ في المجتمع توارثها النَّاس وتناقلوها، فهذه القيم يجب حفظها وعدم التفريط فيها، وللإعلام دورٌ في ذلك
تعزيز مفهوم رسالة الأمّة، ودورها الحضاريّ بين الأمم والشعوب
تكامل الدور بين الإعلاميين والتربويين، وذلك بوجود التوافق والنظرة الإيجابيَّة بينهم، بما يحقق ترسيخ القيم التربويّة، واستفادة الأفراد والمجتمع من ذلك.
قيام الإعلام بدوره المسؤول والأمين والداعم، نحو مؤسّسات التربية المختلفة في المجتمع. تحقّق عنصر التواصل الايجابيّ بين عناصر ومقوّمات العمل الإعلامي، وهي: المرسل، والرسالة، والمستقبل، وخلوّها من تناقضاتٍ تفقدها قيمتها وجوهرها
نقل الإعلام لتجاربَ ناجحةٍ في التربية ظهرت نتائجها الإيجابيّة، وذاع صيتها، بهدف الاستفادة بما هو صحيحٌ وإيجابيّ منها
دعم المبادرات التربويّة المحليّة وتشجيعها، وذلك من خلال عمل دراسةٍ ومناقشةٍ لها، وتسليط الضوء عليها إعلاميّاً
التواصل مع صنّاع القرار التربويّ، في مختلف القضايا التربويَّة
إن للتربية الإعلامية الصحيحة آثار عديدةٌ ، فميدانها الأول والأساس هو الفرد، حيث تنعكس على سلوكه، وقيمه، واتجاهاته المختلفة في الحياة، وبناءُ الفرد معرفياً، وسلوكياً، وقيميا، يعدُّ منطلقاً ومرتكزاً أساسيّاً في بناء المجتمع، والأمَّة كذلك، ولعلّ الميزة التي يتمتّع بها الإعلام يفتقدها غيره من حيث تعدّد المستقبلين له، وتيسّر سبل نقل رسالته، ويبقى الدور الهام في كيفيّة صياغة الإعلاميّ التربويّ، وبفقد الإعلام لرسالته التربويَّة آثارٌ وخيمةٌ تبدأ بالفرد، مروراً بالمجتمعات.
ولا يمكن تحقيق أهداف التربية الإعلامية إذا لم يتم إعداد الإعلاميين التربويين بما يتماشى وأسسها حيث يجب أن يتسم الإعلامي التربوي بالآتي
المحافظة على أخلاق وقيم المجتمع، حتى يتسنى لهم الإسهام في تربيته، وهذه التربية يمكن أن تقدم لهم في مؤسسات التكوين الأكاديمي، وفي المؤسسات الإعلامية، حتى يمكن أن يكونوا مؤثرين. وهذا التأثير يتطلب من الإعلاميين، توظيف العملية الإعلامية لصالح العملية التربوية، بحيث تتفق مع مفهوم الهدف من الإعلام من جهة، ومع الهدف من التربية من جهة أخرى، فالقائم بالاتصال يريد من المتلقي أن يكتسب المعلومة، فيرصد أثر هذه المعلومة في البناء المعرفي للمتلقي، ليبني عليها قراراته، ويقوم بأنماط سلوكية، تشير إلى حدوث تأثير في العملية التربوية. إن هذا التأثير قد لا يحدث بشكل فوري، بل ربما بصورة بَعْديّة، أي بعد تلقي المعلومة. فمعظم أدبيات الإعلام، تشير إلى أن هذا التأثير "يكون محصلة عمليات معرفية، ونفسية، واجتماعية عديدة، تختلف في تأثيرها من فرد إلى آخر، أو من جماعة إلى أخرى، مما يؤدي إلى حدوث التأثير بنسب متفاوتة، بين الأفراد الذين يتلقون التربية الإعلامية
إلى جانب تعليمهم كيف يكوّنون مهاراتهم الإعلامية: ويقصد بها مهارات: الاتصال، والكتابة، والتحدث، والقراءة، والاستماع واستخدام التقنية الحديثة، وكيفية إنتاج الرسائل الإعلامية وتشكيلها، ومعرفة التنظيم داخل المؤسسات الإعلامية
بالإضافة إلى قدرة القائم بالاتصال على اختيار البدائل التي تسهم في التبسيط والإيضاح، فمستوى المعرفة يسهم في إدراك الرسالة التربوية الإعلامية، فإذا لم يتوافر عند قدر كبير من المعرفة والمعلومات، فإنه لا يختار الرسالة التربوية الإعلامية المناسبة ، وحتى لو اختاراها يجب أن يضمن إدراكها من قبل المتلقي في الحال، لأن الإدراك يرتبط أساسا بالمخزون المعرفي
فمادام الإعلام نظاما اجتماعيا، فإن الطرفين المشاركين في العملية التربوية الإعلامية، يتأثران بالنظم الاجتماعية والثقافية، ويستطيعان بالتالي أن يعرفا كيف يتفاعلان مع النظم الاجتماعية الأخرى مثل: الأنظمة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية، والتربوية، والإعلامية، والثقافية، بما تنطوي عليه من تبادل الآراء بلا تعصب لرأي واحد، والتخلي عن الأحكام المسبقة، والحوار مع الآخرين بأسلوب حضاري
إن الجدل القائم حول العلاقة بين التربية والإعلام ليس بالجديد، وقد أوضحت الدراسات والندوات التي تناولت هذه العلاقة أن هناك كثيراً من جوانب المقاربة والمفارقة بينهما، وأن التطور التكنولوجي فرض مظهراً مهماً من مظاهر التكامل بين الإعلام والتربية، وأن الإعلام قد أصبح محوراً من محاور العملية التعليمية، وتم إدراج الإعلام التربوي ضمن التخصصات التربوية المنتشرة في المؤسسات التربوية
إن الثورة التكنولوجية جعلت التربية الإعلامية أكثر الحاحاً وبخاصة بعد أن فقدت الدول السيطرة الكاملة على البث المباشر للبرامج التليفزيونية، وفقدت قدرتها على التصدي للبث الإعلامي الخارجي والاكتساح الثقافي الأجنبي. وبعد أن ساعدت شبكة الانترنت على الاختراق الثقافي وتهديد كثير من الثقافات الوطنية، وتفاعل معها الصغار والشباب والكبار في تناول التيارات الثقافية والمذهبية والسياسية
ومع الفوضى السائدة في المجال الإعلامي الخارجي، ومع التنافس والصراع بين أنماط الثقافة الوطنية والثقافات الأجنبية، ظهر التأثير الواضح للصحف والمجلات وكتب الأطفال وأفلام المغامرات، وبرامج التلفاز ومواقع الانترنت على السلوك المنحرف، وجرائم العنف والعدوان، ولا سيما لدى الأطفال والمراهقين، والتأثير على كثير من المفاهيم والقيم والعادات، وعلى الهوية الثقافية. وأضحت التربية الإعلامية مؤهلة أكثر من غيرها من تمكين المتلقي من ثقافة إعلامية عقلانية واعية ناقدة خاصة وأن دور الإعلام لا يقل عن دور المدرسة أو دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، إن لم يكن يفوق دورهما بما يتوفر للإعلام من عناصر التشويق والتجديد والإثارة
يقوم الإعلام في المجتمع المعاصر بدور كبير في تنشئة الأفراد، وبخاصة أن تأثيره يصل إلى قطاعات واسعة وعريضة من شرائح المجتمع، وقد ساعد على ذلك سرعة اختصاره للزمان والمكان، وسرعة تجاوبه مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، مما يؤدي إلى زيادة الرصيد الثقافي للإنسان، وتيسير عملية تبادل الخبرات البشرية
وتتوافر في وسائل الإعلام عدة مميزات لا يتمتع بها غيرها من الوسائط التربوية الأخرى، فهي تقدم خبرات ثقافية متنوعة ونماذج سلوكية وطرق معيشة قطاعات عريضة من أفراد المجتمع. كما أنها تنقل إلى الأفراد خبرات ليست في مجال تفاعلاتهم البيئية والاجتماعية المباشرة، وتتعرض وسائل الإعلام لكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يجعلها ذات تأثير كبير على تكوين الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة مهمة من وسائل التربية المستمرة
وللإعلام دور بارز وفعال في عملية التنشئة الاجتماعية لما يملك من خصائص تعزز من دوره، منها: جاذبيته التي تثير اهتمامات النشء، وتملأ جانباً كبيراً من وقت فراغهم، خاصة وأنها تعكس الثقافة العامة للمجتمع، والثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة، وتحيط الناس علماً بموضوعات وأفكار ووقائع وأخبار ومعلومات ومعارف في جميع جوانب الحياة بالإضافة إلى أنها تجذب الجمهور إلى أنماط سلوكية مرغوب فيها، وتحقق له المتعة بوسائل متنوعة على مدار الساعة بما يشبع حاجاته. لقد استطاع الإعلام أن يغزو البيت والشارع والمدرسة ويحدث تغيراً كبيراً في السلوكيات ، وإذا لم يواجه ذلك بعملية تربوية منظمة تواكب هذا التطور المذهل، فسوف يؤدي ذلك إلى التخبط والعشوائية في العملية الإعلامية
إن تمكن الدول المتقدمة من التحكم في وسائل الإعلام الدولي، ومنها إنشاء الوكالات الدولية للأنباء، بالإضافة إلى الإذاعات الدولية، والصحف والمجلات المنتشرة على نطاق عالمي، وقوة الشبكة العنكبوتية العالمية (الإنترنت) واستخدام الأقمار الصناعية، واختصار المسافات، واختزال الزمن، جعل وسائل الإعلام سلاحاً خطيراً في أيدي القوى الكبرى، وفرض تحدياً للدول النامية والدول الفقيرة للفرار من قيود التبعية الإعلامية
وأمام هذا الدور الإعلامي المؤثر في التفكير والقيم والسلوك والعواطف أصبح من الضروري أن تتكاثف جهود التربويين والإعلاميين لتعزيز مسيرة الإعلام التربوي وتطوير دوره في المجتمع المعاصر
التربية في حقيقتها عملية إنسانية ترتبط بوجود الإنسان على الأرض وهي مستمرة باستمرار الحياة. وموضوعها الأساس هو الإنسان بكل ما يحتويه من جسد وروح، وعقل ووجدان، وماضى وحاضر، واستقامة وانحراف، وواقع وأحلام، وآمال وآلام، وهي أيضاً عملية إجتماعية تحمل ثقافة المجتمع وأهدافه. والعلاقة بين الإنسان والمجتمع والتربية علاقة وثيقة، وبما أن المجتمعات الإنسانية تتباين في ثقافتها وفلسفاتها ونظرتها إلى الطبيعة الإنسانية وأهدافها، فقد تباينت أيضاً في مفهوم التربية وفلسفتها وأهدافها والدور الذي تؤديه في المجتمع
وتقوم التربية بدور مهم في المجتمعات المعاصرة، فهي التي تحدد معالم شخصية الفرد في إطار ثقافة مجتمعه، وهي التي تكسبه من خلال التنشئة صفة الإنسانية بعد تشكيل سلوكه بواسطة بعض المؤسسات والوسائط التربوية كالمدرسة والأسرة والمسجد وجماعة الأقران، والأندية ووسائل الإعلام. ولكل مؤسسة من هذه المؤسسات دور تؤديه كوسيط تربوي بحيث تتكامل جهودها من أجل تحقيق التكامل في عملية التربية بما يُعوِّد النشء سلوكيات يرتضيها المجتمع، وتزوده بالمعايير والاتجاهات والقيم التي تحقق له التفاعل بنجاح مع المواقف الحياتية المختلفة وتعميق فهمه بأدواره الاجتماعية، ومن أجل هذا كان التنسيق والتعاون بين هذه الوسائط التربوية هو الهدف الأسمى الذي ينشده المجتمع لتحقيق تكامل تربية النشء
يعكس الإعلام الثقافة العامة للمجتمع جنباً إلى جنب مع الثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة من خلال ما تنقله وسائله المتعددة إلى جمهوره العريض من موضوعات ومعلومات وأفكار وأخبار ومواقف من مختلف جوانب الحياة كما يتميز بسرعة الانتشار وتأثيره في تشكيل عقول الجماهير من خلال وسائل الإقناع المباشرة وغير المباشرة، ومن خلال الحوار الفعال، وجودة تقنية المؤثرات الصوتية والحركية، ومرونة البرامج وتنوعها لإرضاء جميع الأذواق ومختلف المستويات الثقافية ومختلف الفئات العمرية، ونقل الخبرات المباشرة من أي مكان. كما أن التربية تؤثر في تنمية الإنسان تنمية متزنة متكاملة جسمياً وعقلياً وخلقياً ووجدانياً وعقائدياً واجتماعياً وثقافياً حتى تنمو شخصيته إلى أقصى قدر تسمح به قدراته، كما تساعد التربية في إكساب المتلقين المفاهيم والاتجاهات والقيم والمعلومات والمهارات التي تساعدهم على التعايش مع الآخرين، وتكوين علاقات اجتماعية وطيدة معهم قائمة على الفهم والاحترام والثقة، وهذا ما تستطيع أن تقوم به وسائل الإعلام وحتى تكنولوجيات الإعلام والاتصال باعتبارها قد تكون وسائل تربوية غير مقصودة تتمكن من المتابعة أو تعديل السلوك.
يقدم الإعلام الخدمة الإخبارية التي تستهدف التنوير والتبصير والإقناع لتحقيق التكيف والتفاهم المشترك بين الأفراد، وتهتم التربية بنقل التراث الثقافي والحضاري إلى الأجيال المتعاقبة وتنمية مهاراتهم وقدراتهم العقلية. والدافعية في التربية والتعلم واضحة، بينما يختفي الوضوح في الدافعية للإعلام
أهمية اليقظة التكنولوجية بالتربية الإعلامية والرقمية في المجتمع
يعد الإعلام مجال مفتوح للكثير من المعارف والعلوم المختلفة التي تستفيد من التقنية والحرفية والخبرة الإعلامية ،هذا ما يجعل الإعلام الهادف إلى التربية يتميز بالعديد من الأهداف والوظائف التي يعمل على تحقيقها على مستوى الأفراد والجماعات عن طريق التثقيف الاجتماعي والأخلاقي والتربوي والتوجيه والإرشاد ،وتزويد الفرد المعرفة بالحياة ومجالاتها المتعددة والمتباينة و تعميق فهمه لما يدور حوله من أحداث وفعاليات ،وبفضل هذه التربية الإعلامية يمكن لمستخدمي تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي أن يكونوا شخصيات متكاملة ومتزنة تسهم في أداء الواجبات والمسؤوليات بالصورة المجتمعية المطلوبة، حيث يبرز البعد الاستراتيجي للتربية الإعلامية كبناء قادر على ربط الفرد والمجتمع بعقيدته ومبادئه و قادر أن يربطه بالقيم والأخلاق ويقيه من الانحراف
تستمد التربية الإعلامية أهميتها عندما توجه المستخدمين لطرق وكيفيات الاستفادة من تكنولوجيات الإعلام والاتصال بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإعلامية الاتصالية وجعلها في خدمة العملية التربوية ،خاصة أن دور المؤسسة الإعلامية لا يقل أهمية عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية ،لهذا لابد أن تكرس هذه المضامين في خدمة هذا المجال خاصة وأن التعليم عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال يعتمد على ترابط عضوي بين التعليم والترويح عن النفس بما يحقق حالة من التكامل بين أهداف التعليم والتربية والإعلام
لذلك فان أهمية التربية الإعلامية داخل المجتمع تزداد يوما بعد يوم إذ يمكن الاعتماد عليها في المؤسسة التربوية والمؤسسة الإعلامية من أجل لعب دور التنشئة الاجتماعية لاسيما الفئات العمرية الدنيا التي تعتبر من أهم مراحل حياة الإنسان ،ففي هذه المرحلة تنمو القدرات وتتفتح المواهب حيث قابلية الطفل المرتفعة لكل أنواع التوجيه والتشكيل ،لهذا كان واجبا أن نوفر لهذه الفئة كل ما يؤهلها لحياتها المستقبلية بإيقاظ عقولها ومداركها وتمرين حواسها، حرصا على التحضر والرقي في الاستخدام، حيث أصبحت التربية الإعلامية مطلبا إنسانيا مهما، فمجال البناء الإنساني الذي كان طوال العقود السابقة مقتصر على الأسرة والمدرسة اتسع بشكل أكبر وترك المجال واسعا أمام مؤثرات كثيرة أشدها قوة الإعلام بمختلف تكنولوجياته ومواقعه والذي أضحى بإمكانياته الحديثة والمتطورة يؤثر بفعالية كبيرة في حياة المجتمع بطريقة مذهلة لأنه أصبح مدرسة ثانية يقدم أفكارا وقيما ومعايير وأنماط سلوك واتجاهات ومواقف في الحياة ،ولعل تجاهل الدور الخطير الذي يؤديه هذا الاستخدام لمختلف تكنولوجيات الإعلام والاتصال هو جهل بالواقع وجهل بقيمة وأهمية التربية الإعلامية في المجتمع، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن تأثير استخدام هذه التكنولوجيات 36 تربويا يشكل نسبة تقارب40 بالمائة من المفاهيم التربوية والأخلاق والسلوك والاعتقادات التي يكون مصدرها مختلف تكنولوجيات الإعلام والاتصال بينما 60 بالمائة مصدرها المنزل والجيران والمجتمع بصفة عامة، فالمستخدم هنا كالفضاء الرحب -لاسيما إذا كان المستخدم طفلا-، يتلقى دون اختيار، ويستقبل بتلقائية ما يقدم إليه دون تمحيص ،وتغرس فيه المبادئ والقيم ، فالإنسان في الصغر لا ينمو اجتماعيا ونفسيا وثقافيا من تلقاء نفسه بل يجب أن نوفر له في الوسط الذي يعيش فيه عوامل التربية ومقوماتها التي تساعد على تشكيله وتعديله والارتقاء به ، لذلك من الضروري إرساء مقومات التربية الإعلامية وجعلها أساسية في عملية التربية والتعليم والإعلام من خلال تخصيص مضامين تعلم مهارات الاستخدام تكون جزء من البرنامج التعليمي التربوي وكذلك جزء من العمل الإعلامي التربوي منذ مرحلة الطفولة باعتبار فئة الأطفال مقوم حضاري يحمل في محتواه المستقبل.
إن التربية الإعلامية تساعد المتعلم على اكتساب مهارات التفكير العليا، أو على الأقل إحساسه وشعوره بأهميتها، لأن الإعلام مجال خصب جداً لتفعيل مهارات التفكير، وهو يستدعي تعلم مهارات التفكير الناقد ومهارة التفكير الإبداعي ومهارة اتخاذ القرار ومهارة حل المشكلات، وحتى تكنولوجيات الإعلام والاتصال إلى جانب وسائل التربية الأخرى يمكن أن تؤدي دورها في هذا المجال من خلال قيامها بتهيئة الجو الفكري المناسب للمستخدم الذي يساعده على تكوين مفاهيمه تكوينا واضحا و صحيحا وفعالا ومؤثرا يؤدي إلى تطوير إمكانياته وفكره ومواهبه، ونظرا للارتباط الوثيق بين المستخدم وهذه التكنولوجيات تسمح له التربية الإعلامية من النضج وإدراك المسؤولية الاجتماعية وسلك السلوك الصحيح اتجاه هذه التكنولوجيات بمضامينها، ويتم ذلك اعتمادا على أسس ومعايير وقيم وأنماط ثقافية وتربوية مضبوطة تراعي قدرات المستخدم وخصائصه وسماته وكذا سبل لفت انتباهه حتى تتمكن التربية الإعلامية من جعله مستخدما ماهرا وايجابيا منذ الصغر تقيه الأضرار بنفسه وبمجتمعه مستقبلا وفي الوقت نفسه تشجعه على تعلم الكثير مما يريده ويسعى إليه بطريقة صحيحة وحضارية
تفعيل التربية الإعلامية الرقمية في عصر تكنولوجيا الإعلام والاتصال
إن التطور المتسارع في تكنولوجيا الإعلام والاتصال أدى إلى إنتاج وسائل عديدة للتواصل الاجتماعي عملت على تغيير أنماط حياة أفراد المجتمع وعلاقاته الاجتماعية وطرق تفاعلاته ويأتي الانترنت في مقدمة هذه الوسائل فقد عمل أكثر من أي وسيلة أخرى على إحداث تغييرات مست حياة الناس بجميع مجالاتها سواء الاجتماعية أو النفسية أو التربوية أو الاقتصادية وحتى السياسية بل عمل على تغيير واضح وجلي في طبيعة الاتصالات التي تعود عليها المجتمع وأنماط ثقافته السائدة فقد أوجد الانترنت بحكم تركيبته الفريدة وطريقة عمله المتميزة ثقافة من نوع خاص تختلف عن المفهوم التقليدي للثقافة أنها ثقافة تتألف من مجموعة غير متجانسة من القيم والآراء والتصورات والمعلومات تعمل على إنتاجها شبكة اتصالات عالمية عملاقة تتألف من ألاف الشبكات من مختلف شبكات الحاسوب في العالم لتقوم بتقديمها لملايين من الأفراد في مختلف بقاع العالم مما جعل من الثقافة الجديدة التي أدخلها الانترنت عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي ثقافة تحمل خصائص فريدة اصطلح على تسميتها بثقافة الانترنت نظرا لما أحدثته من تأثيرات ثقافية واجتماعية واتصالية على حد سواء مما جعل المجتمعات في ظل هذه التغييرات تعيش اليوم زمن التحدي الكبير للإنسان نظرا لسرعة الأحداث والتطورات التقنية و التشكل الاجتماعي الجديد الذي أصبح مفروضا على مختلف البنى الاجتماعية حيث أصبح الارتباط جليا بين النظام الاجتماعي وأنساقه المختلفة وبين ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام البديل من تغيرات وتطورات ومشكلات اجتماعية جديدة في ظل هذا الإعلام الجديد الذي كرس العلاقة بين التقني والاجتماعي وأبرز مختلف التفاعلات بين الأفراد والجماعات المستخدمة لهذه المواقع مما أدى إلى ضرورة تربية إعلامية في ظل هذه التحولات تعنى بدراسة هذه التقنيات في المجتمعات الإنسانية وعلاقتها بالمستخدمين وطرق ومهارات الاستخدام السليم لهذه التكنولوجيا، فقد أنتج الانترنت ظاهرة اجتماعية جديدة تتمثل في مجتمع الانترنت حيث يعتبر مجتمع إنساني جديد يتكون من الإنسان والآلة يحقق الشروط الاجتماعية ويضيف خصائص أخرى للمجتمع الإنساني في خضم فضاء رقمي يتميز بصفات حضارية ومعرفية جديدة كونه وسيط اتصالي وأداة للاتصال بالآخرين هدفه التواصل وتحسين العلاقات الاجتماعية حيث تنشأ من خلاله علاقات اجتماعية جديدة تتخطى حدود الزمان والمكان وتسمح بتحقيق التفاعل والتواصل الاجتماعي من خلال خلق فضاءات اتصالية افتراضية جديدة لم تكن موجودة من قبل فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتيح لكل مستخدم الوقوف على آخر المستجدات حيث يشكل المتواصلون على هذا المواقع مجتمعا افتراضيا أكثر سهولة من حال المتواصلين في المجتمعات الحقيقية ولكن بعد انتشار هذه المواقع ظهرت سلبيات ومحاذير مثل الإدمان على الوسيلة وسوء الاستخدام أو الاستخدام المفرط، إضعاف العلاقات والمهارات الاجتماعية وانتهاك خصوصية المشتركين بالإضافة إلى استغلال هذا الموقع من قبل جهات كثيرة قد تكون معادية وهو ما يسمى في عصر المعلوماتية بالعدو الخفي. ولا يمكن مواجهة هذه المشاكل التي أفرزها الانتشار الواسع لهذه التكنولوجيا وعلى رأسها الانترنت إلا بتربية إعلامية فعالة تعنى بتعليم المستخدمين
مهارات الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا
ومع ثورة الاتصالات الرقمية و ما وفرته من تسهيل و سرعة في عمليات التواصل الوصول إلى مصادر المعلومات و مع ما تحمله هذه الثورة من نتائج ذات آثار ايجابية على الفرد و المجتمع إذا تم استغلال وسائل الاتصال و التقنيات الحديثة على الوجه الأمثل فإن آثارها السلبية تبرز مع التمرد على القواعد الأخلاقية و الضوابط القانونية و المبادئ الأساسية التي تنظم شؤون الحياة الإنسانية ما يستدعي غرس قيم و أخلاقيات داخل هذا العالم الرقمي من خلال تربية إعلامية نخلص من خلالها إلى مواطنة رقمية رشيدة . فالطوفان الرقمي لا يستهدف جمهورا واحدا متجانسا، بل يصل إلى فئات عمرية مختلفة وخلفيات ثقافية وفكرية متعددة، غير أن الفئة الأكثر هشاشة وتأثرا به تبقى هي فئة الأطفال واليافعين الذين لا يمتلك معظمهم أدوات تحليل وفهم هذه الرسائل. و مع التطور التكنولوجي والإعلامي والرقمي أصبحت التربية الإعلامية في العصر الرقمي أكثر من ضرورة ، حيث يرتبط مسارها بشكل وثيق ومباشرا بمسارات وسائل الاتصال والإعلام ذاتها، و تتبع تطورها ونفاذها إلى الحياة الاجتماعية على مختلف المستويات مما يستدعي تقريب المسافة من أجل حسن استغلالها.
إن التربية الإعلامية والرقمية هي عملية توظيف وسائل الاتصال الحديثة بطريقة مثلى من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية المرسومة في السياسة التعليمية والسياسة الإعلامية للمجتمع، ولذا لا يقتصر تأثيرها على الشباب فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير في الآباء والأمهات والأخوة والأخوات داخل الأسرة، وإلى التأثير في كافة أفراد المجتمع. فالتربية الإعلامية تقوم على معايير دقيقة، و تعتمد على تنظيم معقد من الأدوار و المواقع، التي تسهم في العملية التربوية الإعلامية، ووحدة التحليل الأصغر في هذه التربية ليس الإعلامي وحده، و ليس التربوي وحده بل هما معا كشركاء في التربية الإعلامية بأكملها من أجل تفعيل الاتصال الرقمي والاستفادة الكاملة من الشبكات الاجتماعية لذلك وجب الحرص على فهم، تشجيع والتكوين على استخدام الشبكات الاجتماعية. فالتكوين يقضي على الفوارق في مجال الثقافة الرقمية بين الأجيال،بين الجيل الذي لم يعرف دائما الإنترنت وتبادل المعلومات مع المجتمع وبين الجيل الرقمي وذلك من خلال الاتصال التفاعلي ومن خلال الشبكات الاجتماعية والبريد الفوري والهويات الرقمية المتعددة التي تمكن من الوصول إلى المعرفة البصرية. فالتحدي الكبير للاتصال الرقمي هو التكيف باستمرار لاستيعاب وهضم الابتكارات التكنولوجية الجديدة ومنه ثورة العلاقات الإنسانية الرقمية والعمليات الاتصالية فلا بد من دمج جميع هذه المهارات
تتميز مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من الخصائص التي تجعل مستخدميها بحاجة إلى تربية إعلامية متميزة حيث تتمثل في التربية الإعلامية الرقمية وأهم هذه الخصائص:
كل المستخدمين يعملون على تطوير الحاجة إلى المعلومات
يتبادلون عدد غير منظم من المعلومات
اشتمال هذه الشبكات على مجموعة غير متوقعة من المشاركين بالإضافة إلى
التعريف بالذات: كخطوة أولى للدخول إلى الشبكات الاجتماعية بإنشاء صفحة معلومات شخصية وهي الصفحة التي يضعها المستخدم ويطورها، ويقوم من خلالها بالتعريف بنفسه من خلال النص، الصور الموسيقى والفيديوهات وغيرها من الوظائف الأخرى. كما تسمح مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص بتعبئة و تنظيم صفحاتهم الشخصية بالطريقة التي يحب أصدقائهم رؤيتها
تطبيقات جديدة: تسمح الشبكات الاجتماعية للأشخاص بخلق صداقات، كما تساهم بشكل فعال في تجسيد مفهوم المجتمع الافتراضي المتواجد منذ بداية تطبيقات الانترنيت، غير أن الشبكات الاجتماعية أوجدت طرق جديدة للاتصال بين الناس
سهولة الاستخدام: من بين الأمور التي ساعدت بشكل كبير في انتشار الشبكات الاجتماعية هي بساطتها لذا فإن أي شخص يملك مهارات أساسية في الانترنيت يمكنه إنشاء صفحته الخاصة بسهولة
التفاعلية: لقد سعت مواقع الشبكات الاجتماعية منذ بداية ظهورها إلى تجسيد التفاعلية بين أفرادها لضمان الاستمرارية والتطور
الاهتمام: هي شبكات تبنى من خلال مصلحة مشتركة مثل الألعاب، الموسيقى، سوق المال، السياسة، الصحة وغيرها
المواطنة الرقمية وأهمية التربية الإعلامية الرقمية:
المواطن الرقمي مصطلح جديد ظهر حديثاً. ويعني هذا المصطلح قدرة المواطن على استخدام التكنولوجيات الحديثة الرقمية في إنجاز أعماله. وبشكل خاص قدرة المواطن على تطبيق فكرة التعاملات الالكترونية،عرفت دائرة المعارف البريطانية على أنها علاقة بين الفرد و الدولة و بما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات و حقوق فيها
عرفتها موسوعة العلوم الاجتماعية على أنها المشاركة العضوية الكاملة في دولة لها حدود إقليمية أما المواطن فهو فرد من المجتمع و عضو كامل الحقوق و الواجبات في الدولة
أما المواطنة الرقمية فهي مواطنة من نوع آخر إقليمية و رقعته الجغرافية هي مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها
لا ينبغي أن نفهم من معنى المواطنة الرقمية أنها تهدف إلى نصب الحدود والعراقيل من أجل التحكم والمراقبة، بمعنى التحكم من أجل التحكم، الشيء الذي يصل أحيانا إلى القمع والإستبداد ضد المستخدمين بما يتنافى مع قيم الحرية والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان. فالمواطنة الرقمية إنما تهدف إلى إيجاد الطريق الصحيح لتوجيه وحماية جميع المستخدمين خصوصا منهم الأطفال والمراهقين، وذلك بتشجيع السلوكيات المرغوبة ومحاربة السلوكيات المنبوذة في التعاملات الرقمية، من أجل مواطن رقمي يحب وطنه ويجتهد من أجل تقدمه
لذلك نحن في حاجة إلى سياسات توعية و وقاية و تحفيز و توعية أبنائنا و تعريفهم بالطرق المثلى لاستخدامات التكنولوجيا والاستفادة من ايجابيات ليصبحوا مواطنين فاعلين و مؤثرين ايجابيا في المجتمع و وقايتهم من آثارها السلبية و أخطارها على حياتهم المستقبلية و من هنا برز مصطلح و مفهوم عالمي جديد تكرسه التربية الإعلامية اسمه المواطنة الرقمية
فالمواطنة الرقمية هي: مجموع القواعد و الضوابط و المعايير و الأعراف و الأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل و القويم للتكنولوجيا و التي يحتاجها المواطنون صغارا و كبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن فهي
قواعد السلوك المعتمدة في استخدامات التكنولوجيا المتعددة، مثل استخدامها من أجل التبادل الإلكترونى للمعلومات، والمشاركة الإلكترونية الكاملة في المجتمع، وشراء وبيع البضائع عن طريق الإنترنت، وغير ذلك. وتعرف أيضا بأنها القدرة على المشاركة في المجتمع عبر شبكة الإنترنت، كما أن المواطن الرقمي هو المواطن الذي يستخدم الإنترنت بشكل منتظم وفعال
المواطنة الرقمية التي تكرسها التربية الإعلامية هي العمل نحو توفير الحقوق الرقمية المتساوية ودعم الوصول الإلكتروني، ومن ثم فإن الإقصاء الإلكتروني يجعل من العسير تحقيق النمو والازدهار حيث أن المجتمع يستخدم هذه الأدوات التكنولوجية بزيادة مستمرة. وينبغي أن يكون هدف المواطن الرقمي هو العمل على توفير وتوسيع الوصول التكنولوجي أمام جميع الأفراد. ولابد أن يتنبه المستخدمون إلى أن الوصول الإلكتروني قد يكون محدودا عند بعض الأفراد، ومن ثم لا بد من توفير موارد أخرى. وحتى نصبح مواطنين منتجين،
لا بد أن نتحلى بالالتزام من أجل ضمان توفير آليات وتقنيات الوصول الرقمي إلى الجميع بلا استثناء
وعليه فان الأمن الرقمي أصبح مطلبا ملحا في عصر التكنولوجيات والمواطنة الرقمية كإجراءات ضمان وحماية من هذا الطوفان الرقمي فلا يخلو أي مجتمع من أفراد يمارسون سرقة، أو تشويه أو حتى تعطيل الآخرين. ينطبق هذا تماما على المجتمع الرقمي. فلا يكفي مجرد الثقة بباقي أعضاء المجتمع الرقمي لضمان الوقاية والحماية والأمان. ولا بد من اتخاذ كافة التدابير اللازمة بهذا الخصوص، فنحن نضع أجهزة الإنذار لتوفير مستوى معين من الحماية في البيوت فلا بد من تطبيق نفس أنظمة الأمن والحماية في المجتمع الرقمي كذلك بالتربية الإعلامية: كبرامج الحماية من الفيروسات، وعمل نسخ احتياطية من البيانات، وتوفير معدات وآليات التحكم الموجه والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة، و حماية المعلومات من أي قوة خارجية من شأنها أن تقوم بتخريب أو تدمير هذه المعلومات.
المواطن الرقمي ومهارة استخدام التكنولوجيا:
لقد أصبح المواطن الرقمي يحمل مدلولين حقيقي وافتراضي ويعيش في جغرافيتين قريبة وبعيدة وينتمي لوطنين محلي وعالمي
فرض الفضاء السايبيري أو الرقمي نوعا جديدا من المواطن شكلا ومضمونا تجاوز الحدود الضيقة والثقافة المحدودة
انتقل من ممارسات ضيقة متقوقعة إلى إطار افتراضي واسع ومن التمثل الطبيعي الإنساني إلى التمثل الآلي الرقمي
أصبح مصطلح "المواطن"مرتبط بالتغيرات الاجتماعية الناتجة عن التفاعل الرقمي ليشمل المواطن الافتراضي الذي يتوحد مع عصر المعلومات والاتصالات والفضائيات حيث أصبح المواطن الخارق للحدود المشترك مع نظيره الرقمي بكل تفاصيل حياته اليومية
انكماش على صعيد المكان والزمان.اقتصاد عالمي واحد.نظام سياسي عالمي واحد.مجتمع عالمي واحد .ثقافة عالمية واحدة ومواطن رقمي مشترك في اللغة والثقافة والتفكير
اقتصاديا ...نتج عن التحولات الاقتصادية سلعنة الفرد وحصر اهتماماته بما تنتجه الشركات العالمية غير المبالية بالأخلاق والقيم الإنسانية والخصوصيات الثقافية المهتمة بالعلاقات السلعية والربحية والنفعية.اقتصاد عالمي بلا حدود .حرية تداول السلع ورأس المال والمعلومات
ثقافيا ...نتج عن تكوين المواطن الرقمي أو الافتراضي العولمة الثقافية الاستهلاكية والإعلانية والإعلامية بلغت مرحلة الحرية الكاملة في نقل الاتجاهات والقيم والأذواق على الصعيد العالمي، فكل البشر أصبحوا موحدين يتابعون نفس الأحداث العالمية في الوقت نفسه ..حروب مهرجانات. كأس العالم... إنتقال الوعي من المحلي إلى العالمي وبذلك برزت الهوية والمواطنة العالمية التي حلت تدريجيا محل الو الولاءات والانتماءات الوطنية
تكنولوجيا ...حدثت نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا ساهمت بشكل مباشر في تشكيل المواطن الرقمي. فالانترنت والمواصلات الرقمية والمعلوماتية أدت إلى امتزاج الثقافات البشرية وزوال الحدود الجغرافية والدخول للعالم الافتراضي و ذوبان الشكل والنوع والمعنى أي لا لغة لا أرض ولا ثقافة ...
سياسيا...تشكلت حكومة عالمية وانتقال القرارات والتشريعات من المحلي إلى العالمي
لم تعد الدولة مركز السياسة بل جزء من كل سياسي فهي مرتبطة بالسياسة العالمية التي توجه المواطن الرقمي الافتراضي
اجتماعيا...يشارك المواطنون الرقميون بعضهم البعض الحياة الرقمية المشتركة بهدف التسلية أو التعارف أو المتعة فمثلا بالرغم من أن عمر الفايسبوك لا يتجاوز بضع سنوات إلا أنه تحول إلى مجتمع محلي يشترك فيه أكثر من مليار شخص حول العالم خمسون بالمئة يدخلون له بشكل يومي ويمضون 700بليون دقيقة في الشهر. يشارك في موقع الفيس بوك 213 دولة في العالم حيث وم أ في المرتبة الأولى ثم البرازيل الثانية ثم الهند الثالثة ثم أندنوسيا الرابعة وفي المرتبة الخامسة العالم العربي
منحت الدولة الافتراضية الرقمية دولة لمن لا دولة لهم دون اعتبار الحدود التقليدية فخلقت قاعدة فكرية مشتركة للجماعة ...مثل مجموعات .."لا للشيتة والشياتين" ."الجيش الالكتروني الجزائري" ."كردستان واب" ."كردستان ميديا" ...
أصبح المواطن الرقمي الافتراضي في خضم الدولة الافتراضية يرتكز قوامه على التواصل لا على الإقليم الأرضي بل على الوجود الالكتروني
في ظل هذه المواطنة الرقمية التي تجلت على كافة الأصعدة تقلصت الهوية الوطنية خاصة مع سيادة القيم الفردية لدى المواطن الرقمي:
الهوية الوطنية تعني ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر كونتهم هذه الميزات فجمعتهم مثل الأرض و اللغة و التاريخ والثقافة والمصالح المشتركة ... هي خصائص تميز الفرد عن الآخر تعطي للمجتمع صورة ومعنى
في خضم هذا العالم الكوني برزت الهوية الكونية والهوية الرقمية
DEGITAL IDENTITY
هوية غامضة .معقدة .لاحدود لها.متفاعلة مع المواطنين الرقميين انطلاقا من خلفيات عديدة مثل الإطار الافتراضي للشخصية والذاتي. وعليه
الشخصية الرقمية يمكن أن تتمثل في شخصيات مزيفة أو أن تبدلها كما تشاء مما يزيد الهوية الرقمية تعقيدا
يمكن ملاحظة مضمون الهوية الرقمية من خلال التفاعل النصي أو الصوتي أو رسومات تعبر عن أفكار ومواقف
يؤمن هذا التفاعل الرقمي للمواطن الرقمي الثقة والراحة لأنه تواصل غير مباشر لا يؤمنه التواصل الحقيقي كما يؤمن التعبير بشكل حر وصريح لان المواطن الرقمي
يمكنه الاختباء وراء القناع الافتراضي المتمثل في استخدام شخصية رقمية أي AVATAR
تتكون هذه الشخصية الرقمية من أسماء مستعارة ملفتة للانتباه أو مضحكة لإبراز الحضور لدى الأصدقاء الرقميين .قد يشوب هذه الشخصيات الكذب فيما يتعلق بالجنس أو العمر أو الوظيفة أو المكانة الاجتماعية ...فهي فرصة لإثبات الذات المثالية حتى ولو افتراضيا بالإضافة إلى يسر الاندماج الاجتماعي الافتراضي خاصة للفئات التي تعاني عقدا اجتماعية فالفضاء الافتراضي أصبح وطنا واسعا ومثاليا للعيش أفضل من الوطن الحقيقي مما نتج عنه ذات سايبورغ CYBORG
أي كائن حي مهجن من الآلة والأعضاء الحية يقوم بإعادة إنتاج الذات الحقيقية في قالب افتراضي جديد يتمثل عبر الحاسوب بالأسلوب المراد وهي فرصة إنسانية لتحقيق الذات ينتج عنه شعور المواطن الرقمي بالانتماء لموطنه العالمي الذي يحرره من القيود الاجتماعية والثقافية ...فما قضاء عدة ساعات في هذا العالم الافتراضي إلا مؤشر على أن هذا العالم الرقمي حقق للمواطن الرقمي حضن الوطن الذي يتمناه ويستهويه وهو مايؤدي إلى الحديث عن العقل الجمعي الالكتروني الذي يتكون من تفاعلات العقول البشرية والعقول الآلية عبر الانترنت فهو ذو طبيعة آلية الكترونية مادية محضة وافتراضي عالمي يؤدي إلى بروز الشخصية الكونية للمواطن الرقمي من خلال شخصية العقل الجمعي الالكتروني التي قد تتمثل في المنظمات والشركات أو إبداعات الأفراد وصفحاتهم عبر مختلف المواقع الالكترونية
نتج عن الهوية الرقمية ممارسات رقمية جديدة منها
*التكنوقراطية الآلية: تستخدم اللغة الانجليزية في مفرداتها واختصاراتها ودلالاتها كثقافة لغوية مشتركة للمواطن الرقمي وشيوع لغة الدردشة أو الدردشية .مع أن اللغة هي الرسالة الفكرية والثقافية للمجتمع تشكل الخصوصية الثقافية وهي مؤشر رئيسي لتحديد هوية المجتمع
الايدولوجيا الالكترونية: ذات القدرة العالية في تسويق الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي وتحقيق الأدلجة الالكترونية في عملية التغير الاجتماعي للمجتمعات أحسن مثال على ذلك الثورات العربية التي كان شعار فاعليها الافتراضيين ..".من لا يرقمن لا يعلم" فحتى الحرية التي يعتقد المواطن الرقمي أن الفضاء السايبيري يحققها له أكثر من واقعه الحقيقي هي حرية مقيدة لأن المواطن الرقمي تحت المراقبة ومحاصر لمجرد حيازته على حساب خاص الكتروني على الشبكة وهو ما يجعله منكشف على العالم فأصبح بفعل الحواسيب الذكية مواطنا كونيا مراقبا ومنكشفا بامتياز وحاضر في الفضاء السايبيري العالمي
فأصبحت الهوية الحقيقية للمواطن في المجتمع رهينة لهذه المواطنة الرقمية حيث يمكن للتربية الإعلامية أن تسمح بالمشاركة الحقيقية في شؤون الوطن الحقيقي إذ لا مواطن إلا بمشاركة حقيقية وفعالة في وطنه الذي يجب أن يشعر بالانتماء إليه
لعله اكبر تحدي يواجه مجال التربية الإعلامية في عصر التكنولوجيات والرقمنة والمكاشفة و في خضم هذا الفضاء الافتراضي على التربية الإعلامية أن تعد هذا المواطن لفهم ثقافته وربطه بها وإشعاره بالانتماء لها وللوطن وتوعيته من أجل حسن اختيار وانتقاء المضامين الرقمية المختلفة والتعامل معها بوعي وإدراك وعقلانية والمشاركة بفعالية من خلال التقيد بأخلاقيات التعامل مع الوسيلة ومضامينها وهنا تكمن المهارة في التعامل .إذ أن التربية بمفهومها الواسع غايتها الحضارة
فالتربية مرتبطة بالإنسان كمحور للعملية الحضارية حيث
تحول التربية الإعلامية المواطن من طاقة سالبة إلى طاقة موجبة مما يمكنه من إعادة صياغة نفسيته وبناء شخصه ليكون مواطنا متحضرا بتوظيف الأخلاقيات عند التعامل مع المضامين الرقمية
كما تربطه بلغته حيث تكمن قيمة اللغة في سياقها الثقافي وامتدادها التاريخي ومرجعيتها الفكرية فهي الصورة الناطقة باسم متكلميها والأداة المعبرة عن الوعي والإدراك والتطلعات الحضارية
إن تدهور العلاقات الاجتماعية الحقيقية في زمن الرقمنة والمكاشفة يؤدي إلى انهيار البنيان الاجتماعي وانتشار الغريزة وهو مؤذن بسقوط المجتمع لذلك على المواطن الرقمي أن يوازن بين الروح والمادة ولا ينساق وراء العلاقات المزيفة والغريزة التي يمكن أن يكرسها الفضاء السايبيري بقوة
فالخلل لا يكمن في التكنولوجيا الرقمية بل في سوء الاستخدام فعلى المواطن الرقمي الاهتمام أكثر بالمعرفة عبر هذا الفضاء الافتراضي كهدف أساسي للاستخدام ولا يجب أن تنقطع هذه المعرفة عن الخلق على مستوى الفكر والاجتماع والسياسة والحضارة والابستمولوجيا
فالمعرفة تتجسد في البعد العملي التربوي والأخلاقي بتوظيف القيم والأخلاق في هذا العالم الافتراضي لأن توظيف القيم والأخلاق وإعطاء قيمة للوقت بتوظيفه فيما ينفع هو من يبني الحضارة وهي عوامل جوهرية تسهم في بقائها ونمائها
فوراء كل تقدم ومدنية قيم أخلاقية وروحية تجعل القوام متماسك وتحفظه من الانحراف
بقلم : الأستاذة د/أ.عميرات





Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire